أخبار عاجلة

مخاطر سياسة المقايضات فى الصراع العربى الإسرائيلى

لابد أن نبدأ بشرح معنى المقايضة فى سياق هذا المقال، فهى تختلف جذرياً عن نظام المقايضة، السلع بالسلع والخدمات بالخدمات بديلاً عن النقود قبل أن تصبح النقود أداة للتبادل، حيث بدأ استخدامها تاريخياً باعتبارها وعاء للقيم.
من ناحية أخرى، لابد أن نوضح أن الصراع العربى الإسرائيلى لا يزال قائماً وسيظل كذلك فى النفوس العربية والشعبية مادامت حقوق الشعب الفلسطينى لم يتم تحقيقها بقطع النظر عن معادلات القوة والمواقف الرسمية العربية الفعلية من هذه الحقوق، وهذا هو البعد الغائب فى التحليلات الإسرائيلية التى تعول على ميزان القوة بينها وبين الجيوش العربية منظوراً إلى الصراع من زاوية عسكرية، كما أن واشنطن لاتزال تصر على أن قدرات إسرائيل العسكرية لابد أن تتفوق على القدرات العربية جميعا وهى تعلم جيداً أن مخطط تدمير الجيوش العربية المعدودة فى الصراع قد بدأ بالمقاومة المسلحة الفلسطينية بعد غزو بيروت 1982 وبعد عمليات شارون بوقف الأعمال الاستشهادية التى كانت تعوض الخلل الذى بدأ فى ذلك الوقت فى الميزان الاستراتيجى وبعد توريط العراق فى مسلسل بدأ بغزو الكويت 1990 وانتهى باحتلال العراق 2003 وتدمير الجيش وتمزيق نسيج الأمة العراقية، مما فتح الباب للحرب الطائفية الشرسة التى تكرس للتقسيم والحرب الأهلية والتدخلات الإقليمية غير الرشيدة التى تعمق الجراح وتسهم فى الوصول بالعراق إلى الغاية المرجوة من جانب أعدائه. ثم تم تدمير الجزء الأكبر من الجيش السورى وتدمير الجيش الليبى بكامله وكذلك إرهاق الجيش اليمنى وتمزيقه والدخول فى هذا المخطط إلى الجيش المصرى الذى توزعت قوته بين حفظ الأمن ومقاومة الإرهاب.
الذى نريد أن نؤكد عليه فى هذه المقدمة هو أن الصراع بين العرب وإسرائيل هو صراع بين العرب والحركة الصهيونية، ولكن الأدبيات الرسمية تميل إلى اعتبار الصراع قد تحول إلى نزاع مع الفارق الهائل بين المصطلحين، ثم إنه نزاع إسرائيلى فلسطينى، أى أن الفلسطينيين دون الظهير العربى فى جانب بينما إسرائيل وأعوانها وحلفاؤها والحركة الصهيونية فى جانب آخر.
بدأت سياسة المقايضات منذ قرار مجلس الأمن رقم 242 عام 1967 الذى ربط بين انسحاب إسرائيل من الأراضى العربية المحتلة، رغم أن ديباجة القرار تؤكد على مبدأ عدم جواز الاستيلاء على أراضى الغير بالقوة،وبين الاعتراف بإسرائيل والتطبيع معها، ولكن القرار لم يترجم هذا المبدأ فى فقراته العاملة تفادياً لاعتبار موقف إسرائيل عدواناً، بينما فى الأزمة العراقية الكويتية اعتبر القرار 660 لسنة 1990 غزو العراق للكويت عدواناً يستوجب الانسحاب الفورى دون قيد أو شرط. وفى عام 1978 احتلت إسرائيل جنوب لبنان واشترطت للانسحاب طرد المقاومة الفلسطينية من لبنان ولم يتحقق ذلك إلا باحتلال إسرائيل لبيروت وطرد المقاومة مقابل الانسحاب من بيروت بعد مذابح الفلسطينيين فى صبرا وشاتيلا.
ويضيق المقام عن تحليل وتتبع سياسة المقايضات التى تلح فى هذه المرحلة على الفلسطينيين من جانب إسرائيل ، مع العلم بأن التسويات هى دائماً تطبيق لسياسة المقايضات. ففى عام 1956 احتلت إسرائيل سيناء بالكامل وانسحبت مقابل السماح للسفن الإسرائيلية بالمرور فى خليج العقبة، كما يضيق المقام عن متابعة تطبيقات هذه السياسة فى العلاقات المصرية الإسرائيلية وهى جوهر الصراع العربى الإسرائيلى. وفى الوقت الحاضر، فإن الفلسطينيين يدفعون ثمن أخطاء غيرهم فى مصر وغيرها من الدول المواجهة لإسرائيل حينما قبلت مصر وهى منتصرة فى حرب 1973 أن تسترد سيناء وحدها محملة بقيود هائلة أقلها الملحق الأمنى الذى أبعد الجيش المصرى عن إسرائيل بأكثر من مائتى كيلومتر مقابل ارتهان الإرادة المصرية كلها فى علاقات ثلاثية بين مصر وإسرائيل والولايات المتحدة، وتلك القضية جوهرية لا مجال لتفصيلها وربما كانت تلك أهم منحدرات سياسة المقايضات أى الاختيار بين الحقوق الثابتة وإسقاط بعضها مقابل الحصول على جزء من البعض الآخر.
ونريد أن نحذر من أن المفاوضات مع إسرائيل لا يمكن أن تكون منتجة إلا إذا قدرت إسرائيل أنها مستعدة أن تتوقف بمشروعها الصهيونى عند حد معين دون الحصول على كل الأرض الفلسطينية، ولذلك فمن واجب العرب ألا يشاركوا فى تقرير مصير فلسطين بهذه الطريقة وأنهم إن عجزوا عن مساندة المفاوض الفلسطينى وهو الآن فى أسوأ أحواله فلا أقل من مساندة الشعب الفلسطينى فى رفضه لكل صور التهويد والاستيطان، وعليهم أن يظهروا الجدية فى تمكين القوى الفلسطينية، فليست المقاومة سوى إحد وسائل الضغط ولتكن الدبلوماسية أكثر شجاعة من المقاومة،علما بأن صور الإصرار على الحقوق الفلسطينية لا تقع تحت حصر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *