أخبار عاجلة

د.أيمن رفعت المحجوب يكتب.. لماذا لم تتدخل الدولة بعد ؟!!

تباشر الدولة فى أغلب دول العالم المتقدم حتى الرأسمالى منها، وإن كان ذلك بدرجات متفاوتة، تأثيراً واسعاً فى تكوين الدخل القومى وفى توزيعه على افراد المجتمع أيضاً. ويتم تأثير الدولة هذا فى توزيع الدخل على مرحلتين من مراحل التدخل:
أولاهما مرحلة التوزيع الأولى ونقصد هنا توزيع الانتاج بين الذين شاركوا فى القيام به، أى بين المنتجين (أى تحديد مكافآت عوامل الانتاج). 
ثانيتهما مرحلة إعادة التوزيع، وهى ما تعرف أيضاً بالتوزيع النهائى (أى إعادة التوزيع وإدخال التعديلات على التوزيع الأولي، أى نقصد توزيع الانتاج بين المستهلكين لتحقيق شيء من العدالة الاجتماعية. 
وكما يعرف البعض منا، تعتمد الدولة فى التأثير على توزيع الدخل القومى بين المنتجين، ثم بين المستهلكين على أدواتها المالية وعلى الأدوات غير المالية ومثلها القرارات الادارية المباشرة الخاصة بتحديد أثمان عوامل الانتاج وأثمان المنتجات ذاتها (مثل الحدين الادنى والاعلى للاجور والرواتب والتسعيرة الجبرية وسقف الارباح). اما  عملية إعادة التوزيع للدخل القومى فتؤثر الدولة فيها عن طريق تأثيرها فى الطلب الحقيقى المعروف (بالطلب الفعلي) ،وذلك  فى حجم الدخل القومى الكلي. وبالتالى فى أثمان عوامل الانتاج وأثمان المنتجات فى الأسواق، أى تؤثر فى التوزيع الأولى مرة أخرى من خلال إعادة التوزيع. وهو الأمر الذى يدل على عدم استقلاليتهما ويعقد من المشكلة والحل ويلقى عبئا أكبر على نطاق دور اعادة التوزيع لتحقيق العدالة الاجتماعية المنشودة. 
وحتى يمكننا أن نفهم ببساطة دور الدولة الحديثة فى إعادة التوزيع: لتحقيق العدالة الاجتماعية، نجد من المفيد أن نبدأ أولاً فى هذا المقال ببيان دورها فى التوزيع الأولي,  وهنا نجد أن الدولة يمكنها أن تؤثر فى ذلك عن طريقين: 
أولهما؛ خلق دخول للمنتحين , تقوم أى دولة عن طريق نفقاتها العامة بخلق دخول جديدة. وهنا يلزم أن نشير الى التفرقة التقليدية بين النفقات الحقيقية (أى نفقات استثمارية) والنفقات التحويلية (أى نفقات استهلاكية). 
ونقصد هنا بالنفقات الحقيقية تلك التى تؤثر مباشرة الى زيادة الناتج القومي، بينما يقصد بالنفقات التحويلية تلك التى لا تؤدى الى زيادة فى الناتج القومي، ولا تفضى الى شيء إلا أن تعيد توزيع الدخل القومى فى صالح طبقة على حساب طبقة أخري. ومعنى ذلك أن النفقات الحقيقية هى التى تؤدى الى توزيع دخول جديدة على الذين شاركوا فى الانتاج، وهذا هو المطلوب من اى حكومة  جادة، بينما لا تفعل النفقات التحويلية، بطريقة مباشرة، إلا أن تدخل تعديلات على التوزيعة الأولي، وهذا ما يجب ألا تفرط الحكومة فى استخدامه. 
ثانيهما تحديد أثمان عوامل الانتاج فبالإضافة الى قيام الدولة بايجاد دخول جديدة للمنتجين فكثيراً ما يجب أن تقوم الدولة ، وبما لها من سلطة سيادية، بتحديد أثمان عوامل الانتاج ، وهى الأجور والفوائد وريع الأراضى والمبانى والأرباح. وهنا ننبه الى أن الدولة قد تتدخل فى تحديد الأرباح الموزعة على الأسهم، كما أنها قد تتدخل فى طريقة تحديد الأجور والفوائد والأرباح . وبالإضافة الي  هذا التدخل المباشر الذى يجب أن تقوم به الدولة فى دخول المنتجين فانها تقوم ايضاً فى كثيرمن الأحيان بتحديد أثمان المواد الأولية وأثمان المنتجات إذا لزم الأمر ، تحت مسمى السعر العادل والربح العادل  
ومن البديهى أن يختلف مدى تدخل الدولة فى توزيع الدخل القومي، عن طريق ايجاد الدخول للمنتجين وتحديد أثمان عوامل الانتاج ، تبعاً لطبيعة النظام الاقتصادى القائم  وتبعا لدرجة التفاوت بين الدخول فى المجتمع الواحد، ولكن يمكن القول بصفة عامة أن تدخل الدولة ، فى ظل الاقتصادات الحديثة المعروفة بالاقتصاد المختلط أو النظم الاقتصادية الوسطية (التى تجمع بين آليات السوق الحرة و تدخل الدولة فى الاقتصاد اذا تطلب الامر لتحقيق التوازن والعدالة الاجتماعية لحماية حقوق الفقراء)، فتتدخل الدولة فى  هذا التوزيع خاصة مع التزايد المستمر فى اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، خاصة فى الدول الآخذة فى النمو مثل مصر. فلماذا إذن  لم تتدخل الدولة بشكل قوى  ومؤثر حتى الان , ولم تتحقق اى من الاهداف السابقة بصدق يشعر بة الشعب,  وخاصة بعد ثورة طالبت بالعدالة الاجتماعية و اهداف اخرى كثيرة اغلبها لم تتحقق بعد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *