أخبار عاجلة

د.مصطفى شاهين يكتب… عيد الأم السلفية على الطريقة المصرية !!

قضى ناموس الكتابة أنه لا يكتب أحدٌ كتاباً أو مقالة على غير نمطٍ سابق أو تقليدٍ سامق ، إلا عُودي وهُوجم مِن كل مَن كان له قدم في الكتابة سابق ، ومَن ليس له أصلا في الكلام جهد لاحق . وقد لا يقتنع أو يرضى عن هذه المقالة أحدٌ من السلفية المعاصرين تقريبا إلا مَن قد يسلّم منهم بأنه يصح أن يكون للمسلم المعاصر ( فكراً دينياً جديداً ) ناتجاً عن إعماله عقله هو ـ وليس عقل أميره ـ في التعبير عن فهمه لتدينه ، وذلك فق مستجدات كل عصر وضروراته التي تُقدّر بقدرها في كل مناحي الحياة ، باعتبار أن الدين للحياة ، وأن التدين لمن يحيا هذه الحياة . لكن كيف يسلّم سلفي معاصر بمثل ذلك أصلا ؟! وهل ينقض ذلك التسليم سلفيته المبنية على السمع والطاعة في الأمور التنظيرية كما هي في الأمور العملية ؟ ويعلم كاتب هذه السطور أن عنوان هذه المقالة يجمع من المفردات اللغوية ما قد لا يمكن جمعه في العقل السلفي معا ببساطة ( عيد الأم السلفية على الطريقة المصرية ) ! لكن النظر بإمعان في محتواها إلى آخره قد يزيل هذه الصعوبة في الذهن السلفي خاصة والذهن العامي عامة
بداية ، لا خلاف بين أحدٍ من المسلمين المعاصرين على أن الاحتفال بعيد الأم ( محدثٌ في تدين حياة عامة المسلمين ) وليس ( إيمانيا عقديا ) في أصل دينهم . لكن المهم هو مقصد من أحدثه ، هل أحدثه لمخالفة الدين أو حتى مخالفة تدين المتدينين ؟ أم أنه أحدثه لكي ( يقوّي بر تدين ) الأبناء المهملين مع أمهاتهم حتى لو كان ( يوماً واحداً ) في العام كله على سبيل الذكرى العطرة ؟
ولا خلاف بين السلفيين المعاصرين على أن من يحتفل بعيد الأم فهو صاحب بدعة ، وإذا أصرّ على الاحتفال به كل عام فيعد عندهم صاحب كبيرة ، وإذا حاول التماس شرعيته أو مشروعيته في الدين أو التدين فقد يعدونه كافراً ؛ لأنه في زعمهم يُشرّع في دين الله ما لم يشرّعه الله ورسوله . وهم يتجاهلون ( الجانب الاجتماعي ) لهذا الأمر تماما ، ولا يتناولونه إلا من المنظور العقدي في  التشبه بكفر من يفعله من أهل الكفر في بلاد الغرب 
وأما الأهم فهو أن واقعاً يحدث في حياة السلفيين المصريين بحيث تجد أن كثيراً من ( الأمهات السلفيات ) يحتفلن بعيد الأم احتفالا يزعمونه شرعيا ! ، وقد يصير احتفالهن بعيد الأم السلفية ( على الطريقة المصرية ) ، وقد يكون الاحتفال بمباركة الأب السلفي ، بل وبمشاركته بدفع مبالغ للأبناء لشراء هدايا للأم السلفية ، وكل ذلك في ( سرية منزلية ) تقريبا . ودون أن يعلن الأب السلفي موافقته ( التنظيرية العقدية ) على ذلك ( الواقع السلفي الأسري الخاص ) ، ودون أن يصرح بذلك لأميره أو لرئيس الدعوة السلفية أو لنائبه . فصار وصف حال الأم السلفية المعاصرة مع تهنئة أولادها بعيدها وتلقيها هداياهم ( بفرح وسرور ) باعتبارها في عيدها الخاص بها ، وسكوت الأب السلفي عن ذلك بل والترحيب به ، صار كل ذلك ( بدعة سلفية تدينية عملية ) في مقابل تصريح ( تنظيرهم العقدي ) برفضهم الاحتفال به . وكم لكثير من السلفية من مثل ذلك في واقع حياتهم المعاصرة . فقد تجد لهم أحيانا لسان ( فم ) يقول عن أمر ما إنه ( بدعة ) في باب التنظير ، وفي نفس الوقت تجد لهم ركن ( حال ) يصرح بأن نفس الأمر ( حلال ) في باب التفعيل
 إذن ما هو الموقف السلفي الواجب اتخاذه ( اتساقاً ) من الاحتفال بعيد الأم ؟ وباعتبار توجهه المتفاعل مع مستجدات الواقع السياسي ؟  أعتقد أن العقل السلفي قد يسلك في ذلك أحد طريقين : أولهما : القول ( بأسلمة ) هذا العيد تشبهاً بما كان من فعل النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ عندما ذهب إلى المدينة المنورة ووجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فقال ( نحن أولى بموسى منهم ) . فيمكن للسلفية المعاصرين أن يقولوا ( نحن أولى بالأم منهم ) . ثانيهما : التعامل مع مقولاتهم القديمة التي تحرم الاحتفال به بنوع من ( مراعاة المصالح الاجتماعية ) والظروف الوجدانية ( لأم معاصرة تحتاج للحظة وفاء مفتقدة ) في هذا العصر الكئيب بكثير من أبنائه العاقين لأمهاتهم طول العام . وذلك كما تعامل السلفية مع تكفيرهم العمل بالسياسة والديمقراطية أخيرا بنوع من الجواز الحالي لها بتبرير دفع الضرر الأكثر بالضرر الأقل 
لكن هل يستطيع العقل السلفي ( التنظيري الدعوي ) المعاصر أن يتسق مع نفسه ( ليقفز على مفارقته التاريخية التحريمية لهذا الأمر ) ويسلك طريقا من هذين الطريقين في التعامل مع الاحتفال بعيد الأم ؟  نعم قد يستطيع حينما يتجاوز ( تكفيراته وقطيعته ) لكل ( المستجدات العصرية ) ويُوجِد مع هذه المستجدات تواصلا حياتيا متسقا مع ذاته ، ويراعي المصالح العامة للجميع وليس مصالح السلفية فحسب . فقد اكتسب ( العقل السلفي السياسي ) بعض القدرة على التعامل مع التطورات العصرية وتجاوز ( بعض البراح الفكري عنده ) بعضا من مقولاته القديمة في التصوير والملابس وخروج المرأة للعمل وقضايا السياسة وغيرها ، تلك التي كانت أقرب ما تكون إلى مجرد ( تحكمات ) تم بناءها على حديث النبي ( من تشبه بقوم فهو منهم ) . والحقيقة الواقعية أن السلفيين المعاصرين قد أصبحوا متشبهين تقريبا بالقوم ( الغرب ) في أكثر نواحي العمل في الحياة ، لكن يلزمهم الاتساق مع أنفسهم في مقولات التنظير العقدي عندهم . فيمكن للعقل السلفي ( الدعوي التنظيري ) أن يتشبه في هذا الأمر بالعقل ( السلفي السياسي ) وينتهج نهجه ، وقد يحقق في مجال العقيدة نجاحات أكثر يحتاجها التدين العقدي العام للمجتمع المصري المسلم  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *