أخبار عاجلة

هبه عبد العزيز تكتب… الشيخ على عبد الرازق.. والشيخ «كشك الفتوى»

لفت نظرى مقطع من أغنية «بتبعدينى عن حياتك بالملل» لأبن النيل وأبن الصعيد الجميل «محمد منير»، يقول فيه «صبرت صبر غريب عجيب مش محتمل..»!، وعلى ما يبدو أن مجتمعنا كذلك يفعل ذلك، فببال طويل لم يستشعر -رغم طوله- أى نقصان فى الصبر، ولا حتى فى الرغبة للتوقف ولو لبعض الوقت من أجل إعادة النظر فى ما يتردّد من حديث بخصوص ضرورة «تحديث الخطاب الدينى»، والغريب والعجيب أنه قد تشعر أحيانا وكأن الأمر صار منهج حياة، حيث تجد أن الكثير بكل آسف ما زالوا مستمرين، بل ومصرين، فى المضى قدماً على ذات النهج المجدب ، الذى لم ولن نجنى من ورائه سوى ثمار الحصرم والشوك،  واستكمالاً لمشوارهم الظلامى فقد أطلوا علينا مؤخراً بصيحاتهم المثيرة للدهشة، والتى أطلقوا عليه «كشك الفتوى»، فكم هو غريب وعجيب هذا الصبر على تلك الأوضاع المتردية السائدة والتى باتت هى الأغرب والأعجب.
وعندما نحاول أن نفكر بالعقل (اللى ربنا خلقه) لنتفهم سر هذا الصبر! سنجد اننا نعانى من مأزق فى طريقة التفكير، ولكى نصل لحل لهذا المأزق التفكيرى الذى وصلنا إليه، والذى لن يقودنا إلا الهاوية لا محالة وخاصة على المستويات الثقافية، ولا يضيف إلى حياتنا بشكل عام إلا المزيد من االتراجع والإنهيار، فلا بد أن نرجع إلى جذور (المشكلة) الأساسية، وهنا يجب أن نشير إلى الأساس أو الحقيقة التى يقوم عليها أى شىء فى الحياة، وهى «الإرادة»، فإذا ما اقتربنا وأمعنّا النظر فى معنى أو فكرة «الإرادة الإنسانية ودورها فى حركة التاريخ الإنسانى»، سنجد أن هناك مستويين أو إدراكين أساسيين لطبيعة تلك الإرادة، وهما: الإدراك الأسطورى ، والإدراك العلمى، وللأسف الشديد فإن السائد فى العقل العربى والمكون الفكرى والمعرفى له هو التفكير الأسطورى -الذى يميل فى جزء كبير منه وخصوصاً فى الأمور الدينية إلى تقديس عدد من الأشخاص أو الروايات أو الآراء- بل أحياناً يجور هذا النوع من الإدراك الأسطورى على التفكير العلمى النقدى، ويتحول معه الأمر فى النهاية إلى تصرفات غير عاقلة بالمرة، والأمثلة على ذلك متعدّدة: فمثلاً هناك أستاذ جامعى وبروفيسور سودانى قدم بحثاً حول إمكانية توليد الطاقة من الشياطين، وأستاذ آخر مصرى يقوم بتحضير الأرواح، وكذلك الثالث وهو عالم باكستانى (كبير) زعم إمكانية استخدام نظرية النسبية فى قياس سرعة الروح إلى الجنة!!!!!.. وهناك المزيد من عينة ذلك.
ولعلى تذكرت الشيخ التنويرى على عبد الرازق الذى مضى على رحيله ما يقرب من نصف القرن ، وتحديدا مع مع ظهور “كشك الفتوى” وهذا الحديث الثقيل على أى نفس سوية بعقلها  الذى وهبها الله إياه لتستخدمه فى التفكير العلمى النقدى، (حيث كرر المولى عز وجل فى كتابه العظيم «القرآن الكريم» كلمة يتفكرون أكثر من 18 مرة إن لم أكن مخطئة)، وبكل آسف هضم حقه حيا وميتا ، اتذكره معكم – عل الذكرى تنفع المؤمنين- وأسترجع جملاً وسطوراً من كتابه الأثير «الإسلام وأصول الحكم»، الذى شمل على نص صريح كاشف وصادم فى وقت مبكر ضد السياق الفكرى  السائد قبل وحين صدوره ، حيث المناخ الدينى المحافظ فى الأزهر، والذى عمل على تعطيل المشروع التنويرى للشيخ الجليل «محمد عبده»، صاحب الفكر الإصلاحى، كما كان أيضا الملك «أحمد فؤاد» فى تلك الأثناء يتطلع إلى وراثة الخلافة بعد سقوطها فى إسطنبول. 
وجاء الشيخ على عبد الرزاق فى ذلك الوقت يقول كلمته بأمانة وصدق معبرا عما يمليه عليه ضميره وما وصل إليه من قناعات فى صحيح الدين ويحدثنا عن الخلافة قائلا: “إن الخلافة بدعة لا تُنسب إلى جوهر الدين الإسلامى فى قليل أو كثير” ،  ويدين فى كتابه الحكم الملكى يفضح حقيقته الإستبدادية، ويحذر كذلك من مغبته على حياة الناس المعيشية والفكرية على السواء….
 فهذا الكتاب الأثير  فى مجمله يعد بمثابة الدعوة الواعية إلى الأخذ بالحياة المدنية المتحضّرة، التى تقوم على استحضار روح الفكر والخبرة الإنسانية العلمية.
ولحديثنا بقية ….

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *