أخبار عاجلة

إبراهيم الصياد يكتب… هل ماسبيرو ما زال الحصان الرابح؟!!

أدرك جمال عبدالناصر أهمية وجود تليفزيون فى مصر إبان معركة تأميم قناة السويس وخلال المواجهة مع الغرب بشأن أزمة سحب تمويل بناء السد العالى، ولم يكن وجوده مجرد آلة دعائية تواجه الحملات الدعائية المعادية لمصر، إنما كان «مشروعا تنويريا» بالدرجة الأولى يحافظ على الثوابت الوطنية ويرسى قواعد بناء العقل والفكر العربى، ومن هنا قرر عبدالناصر تكليف الدكتور عبدالقادر حاتم، وضع مشروع تليفزيون الجمهورية العربية المتحدة الذى افتتح عام ١٩٦٠.
واليوم وبعد ٥٧ عاما هى عمر «التليفزيون» أتذكر أننى عاصرته طفلا صغيرا منذ أن بدأ خطواته الأولى عندما كان يطلق عليه التليفزيون العربى؛ حيث تربيت إعلاميا من خلال قناتيه الأولى والثانية، وأتذكر لهفة انتظار ومتابعة مسلسلاته: «الضحية، والرحيل، وهارب من الأيام، والقط الأسود، والعنب المر»، وبرامجه: «عشرون سؤالا، ولو كنت المسئول، وأحداث ٢٤ ساعة»، وأتذكر أول ظهور للشيخ محمد متولى الشعراوى – رحمه الله – فى برنامج «نور على نور»، وعرفنا من نجومه الأوائل: ماما سميحة، وهمت مصطفى، وأحمد سمير، وعبدالرحمن على، وصلاح زكى، وليلى رستم، وسلوى حجازي.
وجاء التحاقى بالتليفزيون بعد مرورى بسلسلة اختبارات شفوية وتحريرية وشخصية وكاميرا فى عام ١٩٧٦، ودون واسطة نجحت فى الاختبارات جميعها، وتم تعيينى مذيعا محررا مترجما، والتقيت بنجوم التليفزيون الذين كنت أسمع عنهم وأراهم فقط على الشاشة، وتعلمت على أيديهم كيف أكون قارئا محترفا لنشرات الأخبار؟
وخلاصة رحلة امتدت لنحو ٣٨ عاما، بدأتها مذيعا واختتمتها المسئول الأول عن قطاع الأخبار فى أصعب فترة عاشها الإعلام المصرى ( ٢٠١١- ٢٠١٣)، ووثقتها فى كتاب صدر عام ٢٠١٥ بعنوان (اللحظات الحاسمة – شهادة من قلب ماسبيرو)، تأكد لى خلالها عدد من الحقائق:
– إن إعلام ماسبيرو والتليفزيون مكون أساسى منه هو رمانة الميزان للإعلام المصرى، وفى فترة من الفترات كان تأثيره كبيرا فى الإعلام العربي.
– التليفزيون المصرى كان دائما فى بؤرة الأحداث الكبرى ودفع ثمن تحمله مسئولياته الوطنية خاصة بعد ثورة ٢٥ يناير للعام ٢٠١١.
– التليفزيون المصرى نقل فى الفترة المذكورة بمهنية تحسب له الأحداث فى الشارع المصرى على الهواء، الأمر الذى أدى إلى رفع مصداقيته واسترد ثقة مشاهديه بعد المعالجة الإعلامية الفاشلة فيما يعرف إعلاميا بالـ (١٨ يوما) التى أفقدته ثقة المتلقين.
– التليفزيون المصرى بلا مبالغة أو ادعاء ساهم فى إنجاح ثورة ٣٠ يونيو، عندما قرر أن ينحاز لأصحاب المصلحة فيه، وهم الشعب المصرى، وأعتبر أكبر إنجاز اختتمت به مشوارى الوظيفى نجاحى فى نقل بيان ٣ يوليو ٢٠١٣، الذى أنقذ مصر من الظلام والظلاميين.
وإذا كان التليفزيون قد استمر يتحمل مسئولياته الوطنية رغم مشكلاته المالية والفنية والإدارية، ومحاولات البعض تشويه دوره؛ فإننا نقول إن هذا يعكس قوته وقدرته على الاستمرار فى الظروف الصعبة، ولهذا كانت خطوة صدور القانون المؤسسى لتنظيم الصحافة والإعلام محاولة لوضع نظام إعلامى جديد، وأن تحويل اتحاد الإذاعة والتليفزيون إلى الهيئة الوطنية للإعلام يجب أن يكون تحولا نوعيا وليس تغييرا فى المسميات، وكنت أتمنى ألا ترث الهيئة المشكلات المتراكمة ومنها أكثر من ٢٥ مليار جنيه من الديون، وجهاز إدارى تكبله اللوائح البيروقراطية المتعارضة مع كون الإعلام يحتاج مرونة لإنجاح أى عملية إبداعية، ويساعد فى وقف حالة الفوضى التى يعانيها الإعلام الخاص الذى تصور أنه منافس لماسبيرو رغم أن إعلام ماسبيرو يجب أن يكون خارج أى منافسة؛ لأن دوره مختلف عن دور الإعلام الخاص الوطنى، ويبقى أن نتطلع إلى أن يسترد التليفزيون ريادته ويقود المجتمع نحو مشروع قومى للتنوير يجدد فيه لغة الخطاب ويفتح آفاقا للإبداع والتطوير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *