د.مجدي العفيفي يكتب… الفولكلور.. وثقافة الهامبورجر !!

شرطي مرور العولمة..

قلت إن الاحتياج الآن أصبح أشد إلى مأثوراتنا الشعبية لمواجهة أو مواكبة العولمة والمعلوماتية، وغيرها من المسميات التي تبدو حتى الآن مثل مواسم العام، تأتي وتذهب، نستفيد منها فيما يفيد، ونحجب عن أنفسنا ما لا يفيدنا، ونتطلع إلى التعاون مع الأسرة الدولية بشيء من الخصوصية والاستفادة، ولكن هويتنا وذاتيتنا واستقلاليتنا، هي دائما الأرضية التي نقف عليها بصلابة وننطلق منها إلى مستقبل أكثررحابة، لكن لا نسمح لهذا الجرف الكبير أن يجعل منا شرطة مرور لهذه العولمة، فالعولمة ظاهرة كونية، لكنها أيضا ظاهرة تستحق الوقوف عندها، من حيث المصداقية مع الذات والمصداقية مع الآخرين. لقد شكلت ظاهرة العولمة واحدة من الظواهر السياسية والاقتصادية والاجتماعية في العقد الأخير من القرن العشرين، بل كادت تصبح السمة المميزة لعصر ما بعد الحرب الباردة وإنهاء التكتلات الرئيسية إلى قطب محوري واحد، وعلقت الإنسانية كثيرا من الآمال على ما صاحب العولمة من تقدم تقني هائل في مجال الاتصالات، ولكن هذه الآمال واكبتها أيضا مخاوف واسعة تركز كثير منها حول مصير الهويات والخصائص الثقافية والحضارية للشعوب النامية على وجه خاص، ومدى مقدرتها على الصمود في وجه المنافسة الرهيبة لقوى العالم المتقدم، ولذلك يحدد نفر من الباحثين ملامح ثقافة العولمة التي يمكن أن تمثل خطرا وتشكل خطورة على الثقافات الوطنية، إذا ما لم يتنبه لها أصحاب هذه الثقافات، فيطلقون التحذيرات في عدة خطوط، منها أن ثقافة العولمة هي الثقافة الأمريكية في عصر هيمنة القطب الواحد، وهي تعتمد في انتشارها على التقدم الهائل في تقنية الاتصال، وتتحدث بلغة الصورة كلغة سائدة في ثقافة ما بعد المكتوب، وهي سريعة الإغراء والتأثير، ولها منطقها الأخلاقي الخاص الذي لا يتفق بالضرورة مع ما تعارفت عليه الثقافات الأخرى. ثم إن الجمهور المستهدف هو القاعدة العريضة والشباب على نحو خاص، وينتمي معظم المادة المعروضة إلى الثقافة الشعبية الأمريكية في الغناء والرقص والموسيقى والإعلان، التي تتسم غالبا بإبهار الحواس وسرعة توالى الصورة والمعلومات والتأثير غير المباشر على تشكيل الوعي، ويتوازى مع هذه المادة الشعبية مادة علمية أكاديمية، قد يكون بعضها مزيفا لخدمة أغراض خاصة، لكنها تبث على شبكات يقبل بعضها من الناحية النظرية الحوار وسماع رأي الآخر، ومن تفوته فرصة المشاركة وإبداء وجهة نظره بالطريقة الملائمة تتجاوزه دائرة الحوار. ويضاف إلى ذلك أن ثقافة العولمة تعتمد على فكرة صراع الحضارات، وتكاد تشبه نظريتها الثقافية نظرية (الانتخاب الطبيعي) عند دارون، وبمقتضاها فإن الثقافات التي لا تثبت أمام المنافسة سيكون مصيرها التلاشي، ومن ثم فإن الراغبين في الذوبان في ثقافة العولمة قد تصدمهم فكرة عدم سهولة استيعاب الحضارة الغربية للمنتمين إليها من غير أهلها، لكن الراغبين في المحافظة على الهوية الثقافية عليهم أن يتدارسوا بدقة حجم الخطوات التي تفصل بين ثقافة العولمة ومحاولة عولمة الثقافة. شاهد أيضا الفولكلور وثقافة الهامبورجر والتوهان في عصر الاستعارة..! (1- 2)الفلكلور.. عنوان موضة الشتاء وعلى الرغم من هذه الظاهرة الجامحة، فإننا لم نعدم الأمل في منظمة دولية مثل اليونسكو، حين أخذت جهود علماء الدراسات الإنسانية ـمنذ منتصف القرن العشرينـ تتضافر وتتكامل من أجل مسابقة غوائل التقدم التكنولوجي، الذي يهدد قدرات الإنسان في التعبير عن ذاته داخل إطار جماعة الإنسان، فوسائل الاتصال الحديثة اخترقت حواجز المكان، وكثرة النتاج الآلي فرضت الكم المصنوع على الخبرة الفنية في الأدوات النفعية. فقد دعت هيئة اليونسكو مجموعة من العلماء والخبراء للبحث في الأوضاع التي كانت قائمة في القرن الماضي بالنسبة لثقافات مختلف الأمم، وبالنسبة للعلاقات التي كانت ناشطة بينها، ولم يكن الغرض هو مجرد رصد ما كان يطرأ على هذه الثقافات من نمو واضمحلال، ومن تفكك وتفاعل، بل كان الغرض ـالأكثر أهمية من ذلكـ هو البحث عن مناهج تؤدي إلى الملاءمة بين أصالة هذه الثقافات التقليدية، وظروف الحياة الحديثة وتأثيراتها. لماذا..؟ لأن المدنيات العريقة تأثرت تأثرا عميقا بالتكنولوجيا والحروب والتبدلات السياسية، فعادات ومعتقدات الشعوب التي كانت تعيش كأسلافها، تتغير الآن تغييرا سريعا، تحت تأثير ما يقع في ظروف الحياة المادية من تعديلات وتغيرات نتيجة للتأثيرات القادمة إليها من خارج حدودها، ومن ثم ينبه خبراء اليونسكو إلى أن الجهد المبذول لتعميم خبرات التصنيع والتقدم التكنولوجي على جميع الشعوب يصاحبه بالضرورة تفككات ثقافية عميقة، كما أن المشكلات الناشئة عن هذه التبدلات الفجائية التي تطرأ على أساليب الحياة التقليدية هي مشكلات عملية ونظرية في وقت واحد. وجاء أيضا في بيان هؤلاء الخبراء أنه كلما اقتبست تلك الشعوب مناهج جديدة في ميادين الزراعة والصحة والطب، وكلما امتدت التربية الأساسية فشملت شعوبا جديدة، وكلما ملكت هذه الشعوب آلات وأساليب تكنيكية صناعية حديثة، زادت حاجتها إلى أن تتجنب مواجهة أمرين لا ثالث لهما: فإما أن تناضل هذه الشعوب لتحافظ على قيمها التقليدية أو تخضع وتقبل القيم الأجنبية الغريبة عليها، والأفضل بالطبع في نظر علماء الفولكلور، هو أن نساعد هذه الشعوب على أن تتبنى في ظروف حياتها الجديدة، قيمًا مشابهة للقيم التي أنشأتها من قبل. نحن فعلا في عصر الشعوب التي ترفض أن تكون شرطي مرور العولمة.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *