د.مجدي العفيفي يكتب… نعم.. أنت فينا يا رسول الله (1- 3)

لاتزال سطور هذه الرسالة إلى سيدنا محمد – صلى الله عليه وملائكته، تكتبني في هذا الزمن المشحون بالمفارقات.. وتنزفني في هذه الحقبة المسجونة في التناقضات.. وتقرأني كإنسان مصري الهوى والهوية.. مسلم المعتقد.. عربي التكوين والسمات والمكونات.. شرقي الملامح والقسمات.. وتفككني كمواطن عالمي إنساني النزعة.. كوني التوجه.. وتبكيني على حال عصية ومستعصية على التغيير بمتغيراتها التي هي أكثر من ثوابتها.. وتؤزني أزَّا في حنايا عالم أصبح إجابة تبحث عن سؤال.. أبثها حزني الإنساني قلما وألما وأملا.. لعلي أيضا أجد على النار هدى أو بعض هدى.
مقالات للكاتب
أضيف إلى رسالتي هذه في كل شهر ربيع الأول.. فأبث المرسل إليه – الذي هو رحمة الله للعالمين – شكواي ونجواي وأوجاعي وأوضاعي.. وأضفي عليها بعض ما يجري لنا ويجرفنا بطوفانه العنيف.. وبعض ما نلقاه جزاء وفاقا مما تقدمه أيدينا.. ويجعلنا دائما في موقف الدفاع عن وجودنا الذي يتعرض للابتزاز والاهتزاز.. ونحن في غيِّنا سادرون.. لا شيء يشغلنا إلا عواطفنا، بعنا محارمنا بارت بضاعتنا وكم ردت إلينا.. نلهث وراء الكراسي ونلعق أرجلها.. نبايع أصنامنا العصرية في الصباح ونأكلهم حين تأتي العشية في معابد شهواتنا وغرائزنا..نقتل أنفسنا برصاص التصنيفات المذهبية الضيقة.. وننحر عروبتنا.. ونوئد قوميتنا.. ونهلك مقومات وجودنا.. ونأكل لحم بعضنا.. حتى كأن كل واحد فينا صار لغما يريد أن ينفجر في الآخر من المحيط إلى الخليج..و…. (أمجاد يا عرب أمجاد)!!.
 (1)
السلام عليك يا أيها النبي ورحمة الله وبركاته وتحياته وتجلياته..
السلام عليك يا من ناداك ربك، واصطفاك، وناجاك، وأدناك فكنت قاب قوسين أو أدنى.
السلام عليك يا من خاطبك ربك وحدك بصيغة (يا أيها النبي) فكل من دونك محب وأنت حبيب الله..!
أصلي عليك وأصلك في كل طرفة عين.. وفي كل رعشة طرف.. وفي كل ذبذبة نفس.. وقد علمتنا كيف (نهجر) لـ (نهاجر)، وكيف نفكر ونمنهج حركة حياتنا فلا خوف علينا ولا نحن نحزن، أو يفترض ذلك، إذا أقمنا المنهج وتوسمنا المنهاج، بلغة زماننا ومكاننا وإنسانيتنا.
وأسلم لك تسليم إدراك طاعة متصلة وطاعة منفصلة.. وأنت الذي حولت المطلق إلى نسبي ضمن حدود الله، وهذا هو جوهر سنتك في الزمان والمكان والإنسان يا من أعدت انسجام الإنسان مع الوجود كله، بمن فيه وما فيه!
أصلي عليك يا سيدي صلاة محب، بالفؤاد والقلب والعقل والروح والنفس المطمئنة والراضية والمرضية والأمارة بالخير واللوامة والزكية وما دون ذلك، صلاة ينفطر لها التكوين القابض على جمر دينه مستمسكا ومتشبثا بعروة أهداب حروف اسمك ورسمك وسمتك وصوتك وصمتك وكلك.
(2)
أصلي عليك يا سيدي بكل جوارحي وملامحي.. وشواهدي ومشاهدي.. ومعالمي وملامحي.. وقواعدي وقوائمي.. وظواهري وبواطني.. تسليم إنسان ليس فقط مجرد كائن مسلم مؤمن، بل إنسان عالمي ومواطن عالمي، يعيش في قلب القرن الخامس عشر الهجري، ويقف على مشارف القرن الحادي والعشرين الميلادي: يحدق ويحلق، وينظر ويناظر، بمعطيات عصره، وعطاءات أصله، فيشهد هاتفًا بعمق وحق: أنك أنت سيدنا محمد الإنسان النبي الرسول، الذي أعاد ولايزال يعيد انسجام الإنسان مع الوجود كله.
السلام لك وعليك ياسيدي يا من جئتنا من أنفسنا، عزيز عليك ما عنتنا.. حريص علينا، وبنا رؤوف رحيم.. وللعالمين أجمعين رحمة.. ألست أنت رحمة رب العالمين للعالمين، ورسالتك هي العالمية (برؤيتها الإنسانية) والعولمة (بمفهومها الكوني البريء)، والعلمانية (بشرطية العلم والدين)، والحداثة والمعاصرة (كرموز للتحولات الجوهرية في تاريخ البشرية)، وهل يعقل آيات الله إلا العالمون ؟!.
 (3)
(وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ) نعم.. أنت فينا يا رسول الله، نحن أصحاب النفس الطويل في الشوط الإنساني، أين الإمبراطوريات المعاصرة التي تعاقبت على البشرية؟ أين إمبراطورية القرن الثامن عشر (الفرنسية)؟ وأين إمبراطورية القرن التاسع عشر (البريطانية التي غابت عنها الشمس وغابت هي أيضا)، وفي نهاية القرن العشرين اختفت الإمبراطورية السوفييتية في غمضة عين! وبقيت الأمريكية، والتي يقول الباحثون والمحللون الأمريكيون أنفسهم نها هي التي كانت مرشحة للانهيار!
لقد تداولوا الأيام أو بالأحرى هي التي تداولتهم، بأربعة معسكرات فكرية شكلت ملامح القرن العشرين: الشيوعية أو المادية الجدلية (روسيا) والوجودية (فرنسا) والتحليلية (بريطانيا) والبراجماتية (أمريكا)، وقد أثبتت الأيام والمغامرات أنها مؤقتة بعد أن أوهمت البشرية بأنها (الفردوس) فإذا بها تحطمت وتناثرت والبقية تترنح، وتتململ، وتتملص من مصيرها المنتظر، وتتقلص في ذاتها لأنها تحمل أسباب فنائّا في ذاتها! راحوا يقرنون الدين بالديناميت، ويقترفون ربط الدين بالسكين، ويختلقون السببية المزيفة بين الإسلام والاستلام والإنكار والانفجار والتفجير والتفكير..و..و…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *