أخبار عاجلة

د.مجدي العفيفي يكتب… إستراتيجية تغيير الجياد..!

ليس من الحكمة تغيير الجياد وهي تصهل ركضًا، وتعدو ضبحًا، وتحمحم بلا هوادة، إلا إذا أخذنا الحكمة من أفواه المجانين.. لكننا كلنا عقلاء، وكلنا رؤساء، كلنا خبراء، كلنا زعماء، كلنا ساسة، كلنا علماء، كلنا فقهاء… و… و…!.
وإستراتيجية تغيير الجياد – في الأدبيات السياسية – فكرة كانت قد «ظهرت قبل اختراع السكك الحديدية والمحركات بمختلف أنواعها، حيث كانت العربات التي تجرها الجياد هي وسيلة الانتقال الرئيسية عبر المساحات الشاسعة من القفار والصحاري في القارة الجديدة أمريكا الشمالية، ونظرًا لطول المسافات ومشقة الرحلات، كانت الجياد تحتاج لفترات من الراحة، في محطات خاصة أقيمت على طرق السفر الطويلة، قبل أن تستأنف رحلاتها، وفي محاولة لتوفير الوقت المخصص لراحة الجياد، ظهرت فكرة جديدة هي تغيير الجياد المنهكة والمرهقة بأخرى تنتظر في هذه المحطات، وهي على درجة عالية من اللياقة ومستعدة لجر العربات إلى محطة تالية يتم بعدها تغييرها أيضًا، وهكذا حتى نهاية الرحلة ومحطة الوصول» هذه كانت الطريقة القديمة في السفر.
عبرت عبارة إستراتيجية تغيير الجياد- المنهكة – إطارها الضيق، لتنسحب على كثير من الظواهر السياسية والاجتماعية والعامة، وصارت عنوانًا يلقي بظلاله هنا وهناك.
أستحضر هذه العبارة المكثفة في لحظة فائقة الحساسية، والمجتمع يتحول، بغض النظر عن القدرة والعجز.. والنجاح والإخفاق.. واللا معقول الذي تجاوز المعقول.. واللاَّ مفكَّر فيه وقد طغى على المفكر فيه.. والإجابات التي تبحث عن أسئلة، وقد صارت أكثر عنفًا من الأسئلة التي تريد أن تعثر على إجابات.. و..و.. لكنه في كل الأحوال.. يحاول.
والتغيير إن لم يكن له ما يبرره، فهو نوع من العبثية، لابد من التغيير الشامل، وابدأ بنفسك أولا.. لا تعتمد على أحد كثيرًا ، حتى ظلك يتخلى عنك في الظلام..عندما يصبح وطنك كله هو بيتك فقط.. أشياء تدعو للحزن الوطني.. آن لها أن تندثر.. وأنَّى لنا ذلك والأجواء ملبدة: ثأر.. انتقام.. انتقاص.. إقصاء.. ضغينة.. حقد.. دين وديناميت.. فقر فكر.. وفكر فقر.. دماء وأحشاء.. أبيض وأسود.. قبح أكثر من جمال.. عذاب يطغى على عذوبة.. ألم يخنق أملا.. حلم لا يريد التحقق.. أيام أطول من ساعاتها.. كوابيس تجهض النواميس.. مصابيح تطفئها الخفافيش.. زحام مرعب في كل شيء.. وفي الزحام لا أحد يسمع أحدًا…بقرات عجاف أكثر من السمان.. جوع فكري.. وجمهور سياسي متوحش نطعمه قطعة شيكولاتة، ثم نريد أن نعالج السرطان بقرص إسبرين!!
الطريق طويل.. شاق.. شائك.. يستدعي – بحتمية تاريخية واقعية موضوعية – مجموعة من الجياد على درجة عالية من اللياقة.. ومستعدة لجر العربات إلى محطة تالية.. والحياة محطات.
العواطف لا وجود لها في هذا الخيار.. ولا موقع لها من الإعراب.. السياق يرفض والظرف ينفر..
العالم المتقدم يقول بلغة العلم: ( 1 +1=2)..! ونحن نقول بلغة الفهلوة: «نعتقد » أن ( 1 +1=2) ..(!!!)
ولانزال نبكي على الأطلال وعلى طريقة (قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل).. تصوروا.. وقوف وبكاء معًا..
التغيير سمة الشعوب المتحركة، وعدم الأخذ به دليل على أن المجتمع راكد، وعندما يركد المجتمع يصبح نزيلا في غرفة الإنعاش.
إن كل شيء يتغير ولا شيء ثابت إلا التغير نفسه، هو سنة الحياة وبدون التغيير لا توجد حياة، سنصبح ضحايا التغيير ما لم نتغير، فهو ليس هدفًا في ذاته إنما هو وسيلة للوصول إلى هدف، فالتغيير يبدأ من أنفسنا وفي الحديث القدسي «إن لله عبادًا إذا أرادوا أراد» وهو معنى ينسجم مع جوهر الآية القرآنية العظيمة {… إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ..}[الرعد:11].
وهناك مثال واقعي موضوعي يحمل دلالات شتى.. إذا اشترى رجل “فيلًا” ليضعه في حديقة الحيوانات التي يمتلكها، وأراد ترويضه، فأمر عمال الحديقة بربط أحد أرجل الفيل بسلسلة حديدية قوية، وفي نهاية السلسلة وضعوا كرة كبيرة مصنوعة من الحديد، ووضعوا الفيل في مكان بعيد عن الحديقة، شعر الفيل بالغضب الشديد من جراء هذه المعاملة القاسية، وعزم على تحرير نفسه من هذا الأسر، وكان كلما حاول أن يتحرك ويشد السلسلة الحديدية كانت الأوجاع تزداد عليه، فما كان منه بعد عدة محاولات إلا أن يتعب وينام، وفي اليوم التالي يستيقظ ويفعل الشيء نفسه لمحاولة تخليص نفسه، ولكن بلا جدوى، حتى يتعب ويتألم وينام، ومع كثرة محاولاته وكثرة آلامه وفشله، قرر الفيل أن يتقبل الواقع، ولم يحاول تخليص نفسه مرة أخرى، مع أنه كل يوم يزداد قوة، ويكبر حجمًا، لكنه قرر الاستسلام، وبهذا استطاع المالك أن يروض الفيل تمامًا.
وفي إحدى الليالي عندما كان الفيل نائمًا ذهب المالك مع عماله وقاموا بتغيير الكرة الحديدية الكبيرة بكرة صغيرة مصنوعة من الخشب، الأمر الذي شكل فرصة للفيل لتخليص نفسه، ولكن الذي حدث هو العكس تمامًا، فقد تبرمج الفيل على أن محاولاته ستبوء بالفشل، وتسبب له الآلام والجراح، وكان مالك الحديقة يعلم تمامًا أن الفيل قوي للغاية، ولكنه شعر بعدم قدرته، وعدم استخدامه قوته الذاتية.
وفي يوم من الأيام زار الحديقة طفل صغير مع والده وسأل مالك الحديقة: هل يمكن أن تشرح لي كيف أن هذا الفيل القوي لا يحاول تخليص نفسه من الكرة الخشبية؟ فرد الرجل: بالطبع أنت تعلم يابني أن الفيل قوي جدًا، يستطيع تخليص نفسه، وأنا أيضًا أعرف ذلك، ولكن المهم هو أن الفيل لا يعلم ذلك، ولا يعرف مدى قدرته الذاتية.
إن القدرات كامنة ويمكن من خلالها إحداث التغيير في أنفسنا، ولكننا غالبًا ما نتراجع عن ذلك عندما نصطدم بالواقع، والبحث المستمر عن التطوير والتغيير ضرورة، فالتغيير يحتاج محاولات مستمرة، ولا يتوقف عند أول مواجهة أو أول تجربة فاشلة، النجاح هو نتيجة تجارب فاشلة مررنا بها وتعلمنا منها، كما يشير إلى ذلك علماء الاجتماع وخبراء التنمية البشرية.
ويحضرني موقف توماس إديسون مخترع المصباح الكهربائي حين قال: «لا بأس فلنبدأ من جديد» قالها عندما رأى معمله قد احترق تمامًا وتحول إلى تراب ورماد وبقايا أوراق وفتات متناثرة، أطال النظر إلى كومة الرماد التي بين يديه، ولم يزد على أنه قال:«لا بأس فلنبدأ من جديد».
وإذا كان ثمة اعتقاد شائع بأن التغيير يؤدي إلى الإرباك والاضطراب، وربما يصل الأمر إلى حدوث الأزمات والكوارث، إلا أنه – في الأدبيات الإنسانية – هو الشيء الذي لا يمكن تجنبه في الحياة الإنسانية، إذ تعيش المجتمعات باختلافها التغيير في مجالات كثيرة؛ مما دفع بالمؤسسات الاقتصادية إلى دراسة التغيير والعمل على مواكبة التغيرات المختلفة في البيئة، والاستفادة منها من خلال تسيير عمليات التغيير فيها نحو مستويات أفضل.
التغيير صار اليوم أحد أكبر عناوين هذه الحقبة من العصر، عصر المتغيرات السريعة، ويتخذ أشكالا متباينة وصورًا عديدة، في الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية وفي أنماط التفاعلات الدولية.
أنت تتغير إذن أنت موجود.
نحن نتغير إذن نحن أحياء.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *