أخبار عاجلة

هبه عبد العزيز تكتب… الثقافة والشمول الثقافى

جائنى في الأسبوع الماضى اتصالا  هاتفيا من د. جمال شقرا رئيس لجنة التاريخ بالمجلس الأعلى للثقافة، أخبرنى فيه أنه تم ترشيحى كعضوة شرفية للجنة، وأبلغنى أستاذى أنه تمت الموافقة على انضمامى للجنة من قبل المعنيين بالقرار. وكان هذا الخبر بمثابة مفاجأة سارة  بالنسبة لى،  وربما يعود ذلك لعدة أسباب لعل أبرزها هو توافقه مع ميولى وخلفيتى الدراسية الأساسية ، إضافة إلى إهتمامى الدائم بالشأن الثقافى بشكل عام، وهو أمر  بات يشغل بالى ويسيطر فى كثير من الأحيان على تفكيرى ليأخذ منه مساحة كبيرة وخاصة فى الفترة الآخيرة. 
ولن أخفيكم أمرا، فبعد مرورى ببعض اللحظات العاطفية السعيدة تجاه الخبر، وعلى قدر شعورى بالحماسة، الا أن عقلى سرعان ما بدأ  بالتفكير بالقدر ذاته،  ولكن على جهة آخرى، ليحفز لدى مزيدا من الشعور بالمسئولية، فلعل من ضمن أهم قناعاتى أن وجود أي إنسان منا  فى أى من مجالات الحياة العامة إنما يعد تكليفا أكثر منه تشريفا، ومسئولية تتطلب منه التفكير المنظم، لوضع عدد من الأهداف والخطط، ثم العمل وبذل الجهد المناسب لتحقيقها فى نهاية الأمر.
وبينما أفكر فيما أستطيع أن أسهم به أو أقدمه بمناسبة إنضمامى للجنة التاريخ التى تضم عدد من كبار أساتذة التاريخ بمصر على رأسهم أستاذى الفاضل دكتور جمال شقرا، فقد حضرنى هنا مبدأ هام فى دراسة مقارنة النظم السياسية. ولعل هذا المبدأ من الأهمية حيث أنه على ضوئه يتم قياس كفاءة الدول وقدرتها على أداء وظائفها بدقة واحكام، وهو “مبدأ #الشمول_السياسى” والذى يعرفه المتخصصون بأنه:  قدرة الدولة على أن تحتوى سكانها، وأن تنظمهم حول أهداف عامة، وأن تحفظ لهم حقوقهم المشروعة، وأن تكون قادرة أيضا على إتاحة الفرصة للجميع للتعبير عن آرائهم فى إطار من التعددية الخلاقة التى تمنح المواطنين الحرية فى الإختلاف، وذلك فى ضوء المصلحة العامة. وقد  رأيت أيضا أنه ربما يكون من المفيد لو توسعنا فى هذا المفهوم بحيث يحتوى أنواع آخرى من الشمول كالشمول الإجتماعى والثقافى. 
 #فالشمول_الثقافى مثلا إنما اقصد به قدرتنا على بناء خطاب ثقافى حديث، وحقن القيم الحديثة فى جسد المجتمع، والإرتقاء بالذوق الثقافى والإجتماعى العام.
ولعل ذكرى لمبدأ أو فكرة الشمول الثقافى نبع بالأساس من شعورى بأن هناك الكثير فى مجتمعنا لازال ينظر للثقافة من منظور قاصر بعض الشىء،  وظنى أن هنا تكمن خطورة كبيرة،  تتمثل فى عدم إدراك المعنى الصحيح للثقافة،  ومن ثم تؤثر على تعاملنا معها ومع مشكلاتها طوال الوقت.
ف #الثقافة فى العموم ليست كما هو سائد لدى البعض بأنها قد تقتصر على إبداعات الآداب والفنون( مثل الكتابة والشعر والرسم والنحت والسنيما والمسرح والرقص والغناء وغيرهم من أليات التعبير)، فهذا الجزء تحديدا ما هو إلا تعبير عن الثقافة السائدة أساسا فى المجتمع، وبالطبع يمكن أن يؤثر هو فيه، ولكن الثقافة بمفهومها الحقيقى أوسع وأكبر من ذلك الأفق الضيق بكثير، ف #الثقافة هى مناخ عام شامل، تندرج بداخله كافة القيم والمبادىء الأخلاقية والفكرية والمعتقدات والوعى الحضارى، ومن ثم فهى التى تحدد سلوك الأفراد وقراراتهم وإختيارتهم.
فكل ما نقوم به هو ثقافة: الإختلاف ثقافة، إحترام الوقت ثقافة، تقبل الآخر المختلف ثقافة، التعامل مع المرأة ثقافة…… 
وهنا سأمر سريعا على مستويين قد يحدثا ما يمكن أن نطلق عليه الشمول الثقافى الذى ذكرته فى السطور السابقة.
أما المستوى الأول والذى أراه الأهم  فهو تحريك المجتمع من أعلى أو بمعنى آخر ما تقوم به الدول، وذلك يشمل بعض الممارسات التى تعكس مدى إهتمام وكذلك معرفة وإلمام الدولة بمشكلات وهموم المجتمع، والأمثلة على ذلك لا حصر لها مثل: وضع خطة شاملة لإصلاح الجهاز الإعلامى بوسائله المتعددة المرئية والمسموعة والمقرؤة، وبث قيم هامة من خلاله  مثل  أهمية القراءة وحب الوطن ونشر روح المحبة والتعاون وقيم الحق والخير والجمال، إضافة إلى العمل طوال الوقت على تقديم نماذج إيجابية فى شتى المجالات لإسترجاع قيمة القدوة والمثل الاع٢لى فى حياتنا،  أيضا فكرة الإحتكاك المباشر ما بين المسئولين والشعب، وكذلك سرعة تلبية الإحتياجات والمطالب سواء للنخبة أو للجماهير، وعمل المسابقات والتحفيز من خلال الجوائز المادية والمعنوية فى مجالات الفنون والآداب المختلفة.
وأما عن المستوى الثانى فيتمثل فى المواطنيين أو الجماهير، أو فكرة  تحريك المجتمع من أسفل، ويشمل هذا المستوى أيضا العديد من الممارسات مثل : تحفيز فكرة المشاركة المجتمعية بإختيار قضايا معينة محل إهتمام، وعبر إيجاد حلقات للتواصل بين الفئات والإدارات المختلفة على المستوى الحكومى والمجتمع المدنى، فى مشكلات تخص المجال التعليمى أو الصحى مثلا، أو كالتخلص من القمامة، وكيفية مكافحة الفساد، وغير ذلك من المشكلات التى تمس الحياة اليومية للمواطن.
وكلا المستويين يصبان فى فكرة تبنى أو بناء منظومة قيم وأخلاق لخلق إطار عام مشترك فى مجالات الحياة المختلفة، تصنع ما يشبة الإجماع العام القائم على علاقات منظمة وتوقعات متبادلة، ويمكن تنفيذ ذلك من خلال المدونات السلوكية المعلنة والمكتوبة فى القطاعات المختلفة من المدارس واقسام الشرطة والمستشفيات وغيرهم ونشر كل ذلك سواء فى المؤسسات أو بين المواطنين بعضهم البعض فى التفاعلات العامة. 
وأعلم تماما أن هذه العملية ليست سهلة بالمرة وأنها معقدة للغاية، ولكن هكذا هو طريق الألف ميل لابد وأن يبدا بخطوة.
ولا أريد ابدا الخوض كثيرا فيما وصلنا إليه من حال فيما يخص الثقافة، فالأمر أصبح لا يخفى على أحد منا، وحتى لا أتطرق الى كلام مستهلك وعبارات مكررة، فاننى أرى أن الموضوع فى النهاية يحتاج منا  سرعة العمل على أمرين وهما : 
أولا تحديد القيم الثقافية الملحة المطلوب نشرها، بهدف أن تتحول فيما بعد لسلوك وثقافة سائدة، وثانيا تحديد الآليات والمؤسسات التى ستقوم بتنفيذ هذا الهدف فى المجتمع من حيث غرس القيم الثقافية  كما تغرس البذور في الارض


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *