د.محمد السعيد إدريس يكتب… قمة هلسنكي.. مفعمة بالتوقعات

من المقرر أن تُعقد أول قمة رسمية بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأمريكي دونالد ترامب في هلسنكي عاصمة فنلندا يوم الاثنين المقبل (16 يوليو الجاري) سبق للرئيسان أن التقيا أكثر من مرة على هامش اجتماعات دولية كان آخرها “قمة الدول العشرين”، وسبق لهما التحدث هاتفياً ما يقرب من ثماني مرات، لكن هذه القمة تكتسب أهمية استثنائية كونها تأتي في ظل وضع دولي شديد الاضطراب، وفي ظل سيولة غير مسبوقة تفرض نفسها على خرائط التحالفات ليس فقط على المستوى الدولي ولكن أيضاً على العديد من المستويات الإقليمية، وعلى الأخص منها إقليم الشرق الأوسط. لذلك يمكننا أن نتصور إلى أي مدى تبلغ قائمة من يقفون الآن في صفوف انتظار نتائج هذه القمة. من يتصورون أنهم سيقبضون الأثمان ومن يعتقدون أنهم يمكن أن يدفعونها.
لتقريب المعنى أكثر تجب الإشارة إلى أن ترامب سيذهب إلى لقاء بوتين عقب انتهاء زيارته للعاصمة البريطانية مباشرة (14 يوليو 2018) وقبلها مشاركته في قمة دول حلف شمال الأطلسي (11-12/7/2018). وحتماً ستكون نتائج هذه القمة وتلك الزيارة من أهم العوامل المؤثرة على أداء ترامب في حواراته مع بوتين وعلى النتائج المتوقعة للقمة، خصوصاً في ظل الحرب التجارية التي فجرها ترامب مع شركائه أعضاء مجموعة الدول الصناعية السبع (كندا واليابان إضافة إلى 4 دول أوروبية هي ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا). فقد صدم ترامب هؤلاء الشركاء في قمتهم الأخيرة بمقاطعة “كيبيك” الكندية (8-9 يونيو 2018) بفرض رسوم جمركية على واردات بلاده من هذه الدول خاصة من الصلب والألومنيوم، ثم زادها بإدخال السيارات الأوروبية ضمن القائمة، وبعد أن تعمد مغادرة تلك القمة سريعاً متوجهاً إلى سنغافورة للقاء زعيم كوريا الشمالية “كيم جونج أون” باغت هؤلاء الشركاء بسحب توقيع بلاده على البيان الختامي الصادر عن تلك القمة. وقبل هذه القمة كان ترامب قد هاجم حلف شمال الأطلسي (الناتو) بضراوة، وحفز الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للانسحاب من الاتحاد الأوروبي على غرار بريطانيا ما يعني أن ترامب في عداء مع حلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي.
كما أن ترامب سيذهب إلى هلسنكي للقاء بوتين بعد تلقي ردود فعل قوية من الاتحاد الأوروبي ضد سياساته ليس فقط بفرض رسوم جمركية مضادة على واردات دول الاتحاد من الولايات المتحدة، بل وأيضاً بالتوجه نحو التأسيس لنظام أمني أوروبي مستقل، ومستقل هذه تعني كونه مستقلاً عن الولايات المتحدة، حدث ذلك خلال القمة الأوروبية الأخيرة التي عُقدت في بروكسل (27/6/2018)، ثم جاء التحدي الأوروبي الأكبر للرئيس الأمريكي وبالذات معركته التي فجرها ضد إيران وبالذات إصراره على منع إيران من تصدير نفطها ضمن قرارات واشنطن لتركيع إيران.
ففي اجتماع وزراء خارجية الدول الخمس الموقعة على الاتفاق النووي مع إيران في فيينا يوم الجمعة الماضي (6/7/2018) بوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف وبحضور وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موجيريني قرر الوزراء الخمس (وزراء خارجية ألمانيا وفرنسا وبريطانيا ووزيري خارجية روسيا والصين) دعم إيران وحقها في تصدير نفطها ورفض أي مقاطعة أو إعاقة تصدير هذا النفط، وحرصوا على تقديم الضمانات الكفيلة بتعويض إيران عن الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي حرصاً منهم على تشجيع إيران على عدم الانسحاب هي الأخرى من هذا الاتفاق.
ترامب يتوجه إذن نحو بوتين وهو على صدام كبير مع أهم حلفائه في مجموعة الدول الصناعية السبع وفي حلف شمال الأطلسي، لكنه شاء أن يذهب أيضاً للقاء بوتين وهو في صدام بل وفي حرب تجارية أخرى ساخنة مع الصين بعد أن أصدر أوامره بتفعيل قرارات بفرض رسوم جمركية على واردات أمريكية من الصين تبلغ قيمتها 38 مليار دولار، الأمر الذي دفع الصين للرد بالمثل وفرض رسوم جمركية على واردات من الصناعات الأمريكية يبلغ ثمنها 38 مليار دولار أيضاً، الأكثر من ذلك أن الصين يمكنها أن توجع الأمريكيين إذا هي قررت تفعيل سلاح خفض قيمة عملتها الوطنية (اليوان) الأمر الذي من شأنه أن يرفع من تنافسية السلع الصينية في مواجهة نظيرتها الأمريكية داخل السوق الأمريكية. هناك سلاح آخر إذا فعلته الصين فسوف تفسد على ترامب ما يأمله من مكاسب جراء سياسته الاقتصادية المتجاوزة لكل أصول وقواعد التجارة العالمية. هذا السلاح هو سلاح بيع الديون الأمريكية لدى الصين. فالصين دائنة للولايات المتحدة بآلاف المليارات وإذا قررت بيع بعضها ستوجع ترامب وإدارته وفعلاً بدأت الصين بيع سندات أمريكية تملك منها ما قيمته أكثر من 11 تريليون دولار (11 ألف مليار دولار)، وهذه الحيازة هي الأكبر عالمياً، فإذا تنامى اتجاه البيع سيشكل لطمة موجعة للولايات المتحدة ولسياسات ترامب.
أما بوتين فهو يذهب للقاء ترامب بهموم أقل كثيراً، هو يعاني من أزمة علاقات مع الدول الأوروبية بسبب الخلاف على قراره ضم شبه جزيرة القرم وحربه ضد أوكرانيا، كما أنه يعاني أيضاً من أزمة في علاقاته مع الولايات المتحدة في ظل اتهامات بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة لصالح المرشح الجمهوري دونالد ترامب، لكنه يذهب وهو يرتكز على تكتل اقتصادي- أمني سياسي قوي مع شركاء أقوياء ضمن منظمة دول شنغهاي التي تجمع روسيا مع الصين والهند وباكستان وأربعة دول من الجمهوريات السوفيتية السابقة وعضوية مراقبة لعدد آخر من الدول منها إيران، كما يرتكز على تكتل مجموعة دول “بريكس” الاقتصادي (روسيا والصين والبرازيل والهند وجنوب أفريقيا)، كما أنه يذهب إلى لقاء ترامب بعد نجاحاته البارزة في سوريا.
رغم ذلك فإن بوتين يذهب إلى لقاء ترامب في ظل أزمة روسية تتصاعد مع إيران في ظل ما يروج له من وجود صفقة جديدة خاصة بالحل السياسي في سوريا تجمع روسيا والولايات المتحدة وإسرائيل تنص على تسليم سوريا لروسيا والحفاظ على نظام الرئيس بشار الأسد مع تعهد روسي بخروج إيران من سوريا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *