أخبار عاجلة

عبد السلام عبد الرازق يكتب.. «بورسعيد.. و تجربتي عقب الهزيمة»

عندما قامت حرب يونيو وحدثت الهزيمة.. كنت في الخامسة عشرة من عمرى.. وكان أخي حسين رحمة الله عليه ضابطا بقوات الصاعقة المصرية.. وبعد إن اتضح لنا إن هزيمة نكراء قد حاقت بمصر… انشغلت الأسرة بما حدث لأخي حسين.. و وصلت لنا انباء إن القوات المنسحبة من سيناء يتم تجميعها في معسكر الجلاء بالاسماعيليه.. ركبت مع أخي محمد.. رحمة الله عليه.. القطار من محطة بورسعيد حتي وصلنا إلي القنطرة غرب.. وكنت ارى بعيني بعض جنودنا ال عائدين وهم ملقون علي جانب شريط القطار بالملابس الممزقة واجسادهم الملطخة بالماء وعند مبني الليدو رأيت العلم الإسرائيلي مرفوعا علي المبني وجنديان اسرائيليان يجلسان خلف مدفع رشاش..
مناظر لم تبرح ذاكرتي.. وكان لها قصة ساقصها عليكم فيما بعد..
طلب مني أخي محمد إن أعود إلي بورسعيد.. علي إن يستكمل رحلته إلي إسماعيلية وسط هذا الجو المشحون والمحتقن.. وعدت بالفعل إلي بورسعيد في آخر رحلة للقطار قبل أن تضربه إسرائيل..
وفي اليوم التالي تم الاعلان عن خطاب للرئيس جمال عبد الناصر…
هذا الخطاب الذي أعلن فيه عن التنحي.. ووجدتني أقف في بلكونة منزلنا.. وحولي الأسرة… وسرعان ما انطلقت مسيرات حاشدة تعلن رفض التنحي.. وتعلن رفض الهزيمة.. كما تعلن إصرار الشعب المصري عن الاستعداد للتضحية والفداء.. في مظاهرة وطنية اذهلت العالم.. ووسط دعايات صهيوني أمريكي غربية تراقصت علي طبول الانتصار الإسرائيلي الزائف.. وبين إرادة شعب عريق يرفض الهزيمة ويستعد لخوض معارك لا يملك غير الارادة فيها..
وقفت في بلكونة المنزل الكائن بالدور الثاني فوق قهوة رأس البر بشارع الثلاثيني.. وأنا اردد عبارات رفض الهزيمة والدعوة الكفاح والقتال.. كانت أول مظاهرة رفض قد خرجت فيها ممرضات مستشفي السودان.. وتلتها مظاهرات أخرى حاشدة.. وكانت الجموع تردد الشعارات التي كنت ارددها بدون تخطيط مسبق.. وظللت اهتف حتي وقعت مغشيا عليا..
وفي اليوم التالي خرجت هائما علي وجهي لا ادرى ماذا افعل.. مررت علي المحافظة ثم القنصلية الإنجليزية والأمريكية ثم المكتبة الأمريكية ورأيت كيف إن الجماهير قد اشعلت فيها النيران غضبا وانفعالا.. ثم توحهت مع المجموع إلي مبني الاتحاد الاشتراكي.. حيث امتلأت الشوارع المحيطة بجماهير غفيرة.. ترفض التنحي.. كما ارفض الهزيمة..
ثم جاء صوت أحد المسؤولين ليعلن إن عبد الناصر قد استجاب لنداء الجماهير.. والعودة بقيادة معركة لم نكن نعلم عنها شيئا.. ولكن كان لدينا ثقة لا تهتز.. إنها قادمة لا محالة..
كنت اجلس علي سلم منزلنا القديم.. واجمع علب السجائر واصنع منها نماذج طائرات ودبابات.. واقوم بادارة معارك تنتهي بهزيمة العدو…
وسرعان ما حدثت معركة رأس العش.. وقرأت عنها من خطاب أرسله أخي حسين ضابط الصاعقة ليحكي بطولة فصيلة صاعقة في مواجهة طابور إسرائيلي مدرع.. ومنعه من احتلال بورفؤاد وليحمي بورسعيد من مدافع الصهاينة ويجعل للقوات المصرية موضع قدم علي الضفة الشرقية للقناة.. في معركة تحدث عنها العالم.. ثم تلتها القوات الجوية المصرية بدك مواقع وحصون القوات الصهيونية في سيناء واحالتها إلي جحيم .. ثم تلي ذلك إغراق زورق بحرى مصرى للمدمرة الصهيونية ايلات في حدث مدوي.. ثم تبدأ فترة الدفاع النشط ويليها حرب الاستنزاف.. لتكون التطعيم الحقيقي للمعركة…
لقد كانت معركة شعب وجيش.. لا يعرف سره بعض ابنائه ولا يدركون سر عظمة هذا الشعب ويحكمون عليه بحكاوي القهاوي…
ولكن هذة هي مصر الحقيقية كما عرفناها.. كونك ما تعرفهاش.. يبقي هو ده الفرق بيني وبينك…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *