لا تخافوا من السياسة، فالسياسة ليست سوى فن إدارة الحياة، هل علينا أن نخاف من الحياة؟ السياسة بمعنى تسيير شئون الناس بالأمر والنهي، أما إجرائياً فالسياسة تعني عملية إدارة السلطة والموارد، وبعيداً عن هذا وذاك فكل ما نقوم به، وما يصدر عنا يعتبر سياسة، فحتى الوجبة الرئيسية في أي بلد تعتبر سياسة، أليس الخبز والأرز سياسة؟ ألم تحصل مجاعة كبرى في العالم خيمت علينا فيما عرف هناك بأحداث (الاثنين الأسود)؟ إن الطعام الذي نتناوله في جوهره عملية سياسية معقدة، فقط لنتصور أن علاقتنا قطعت بالدولة التي نستورد منها البوتاجاز مثلاً!اليوم، حينما تتحدث في السياسة باعتبارها القاسم المشترك لشؤون الواقع تجد الناس يلتزمون الصمت، بينما يقول أكثرهم جرأة (لا داعي للحديث في السياسة أرجوكم).
لا تبدو السياسة أمراً مخيفاً كما يتخيل البعض، فكل ما نعيشه سياسة، تعليمنا، طعامنا، إعلامنا، نوع نشرة الأخبار التي نشاهدها ، المرتبات، خطبة الجمعة، ……، وعلينا أن نعي أن الوعي مطلوب والثقافة ضرورية، وهذا يحتاج تدريباً وتنمية مستمرة تقوم بها كافة مؤسسات التربية والتنشئة، كي لا تتحول السياسة إلى جاذبة للأفكار الشاذة، أو مدخل لإحداث القلاقل، كما نرى الأن .
إن الوعي بأهمية القيم المجتمعية والالتفاف حول معان كبرى، كالانتماء والهوية والوطن ….. وغيرها، تقع في صلب الدراسات والاهتمامات السياسية، وهو وعي مطلوب وتحديداً بالنسبة للشباب الذي يشكل الطاقة الكبرى المحركة لعمليات التنمية والنمو وبناء المستقبل في مجتمعنا، وعلينا أن نهتم بغرس هذه المفاهيم باعتبارها مفاهيم سياسية لا غنى عن فهمها وهضمها والتعامل معها بمرونة، فحينما ينشط الشباب في جامعاتهم وأحيائهم في أعمال ومشاريع مختلفة حباً في العمل ووعياً بقيمة التعاضد والتآزر والتعبير عن الذات للحصول على التقدير والمكانة مثلاً، فإنهم يطورون حراكاً سياسياً سيتحول إلى ثقافة تتراكم في الاتجاه السليم والمطلوب، بعيداً عن السلبية والانسحاب الذي يضعف العلاقة بالمجتمع وبالتالي ينعكس على قيم الانتماء والمواطنة.