هناك العديد من الأحداث المهمة التي تجعل الأيام القادمة حبلى بالكثير من الانتظارات والتوقعات والهواجس لدى الحكومة كما لدى المعارضة والمواطن. والأمل في مستقبل يأتي بالأفضل. ورغم بعض النجاحات الاقتصادية التي ميزت المشهد الاقتصادي في الأيام الأخيرة، فإن المواطن لم تتحقق رفاهيته الموعودة، ولم يقع حل معضلة البطالة المستفحلة في صفوف أبنائه، وخاصة من حاملي الشهادات. كما ازدادت بعض الفئات والعائلات، وخاصة في الصعيد فقرا وتدهورا وتدنى المقدرة الشرائية للمواطنين مع زيادة الأسعار بشكل دوري وخاصة في المواد الأساسية. وهو الامر الذي دعا المواطن المصرى إلى التعبير عن بالغ انشغاله إزاء الارتفاع المتزايد للأسعار ولنسبة التضخم في البلاد، وما أدت إليه من إضعاف للمقدرة الشرائية. أما على المستوى السياسي والأمني فالأمر يبدو أخطر من ذلك، وإن كنا لا نفصله نهائيا عن الوضع الاقتصادي والاجتماعي. ورغم ما في المشهد السياسي من قتامة،فقد شهدت الأشهر الأخيرة العديد من النضالات المشهودة على المستوى الاجتماعي، والتي تعكس بشكل واضح تبرم الناس من السياسة الحكومية، التي لا تراعي مصالح المواطن، الذي طال انتظاره للفرج. وكانت بعض المحطات كالعادة بإمضاء شباب الثوار و النقابيين أو رابطات العاطلين عن العمل والجمعيات الحقوقية.
ربما لم يتغير المشهد السياسي كثيرا، ولكن كثرة الملفات السياسية والحقوقية المطروحة، والتي تلتف حولها اليوم العديد من القوى والأحزاب، يجعل من المرحلة الراهنة، حسب اعتقادي، مرحلة انتقالية يحاول فيها النظام الحالى كسب الوقت، وتحاول فيها قوى المجتمع المدني، على ضعفها، تحقيق مكاسب حقيقية للشعب طال انتظارها. ورغم التشتت الذي مازال السمة الغالبة، للأسف، على قوى المعارضة ومنظمات المجتمع المدني، إلا أن ما تحقق من تنسيق ونضال مشترك، فى ثورة 30 يونيه بدأ يرسم الطريق الأسلم للوصول إلى بر الأمان، وهو تكوين جبهة سياسية ومدنية واسعة، من أجل تحقيق الحريات، والكرامة للشعب ، والدخول بالبلاد في مرحلة تكون الديمقراطية والعدالة واستقلالية مؤسسات الدولة، واحترام الدستور والقانون هي عناوينها الرئيسية. ويبقى على جميع التكتلات أن تنفتح أكثر على الجانب الاجتماعي المهم جدا في هذه المرحلة، وأن تسعى إلى تشريك أكبر عدد ممكن من الفئات والقوى في تحركاتها القادمة.
أما الأحزاب المختلفة فيبقى آداؤها ضعيفا، وإذا كان حزب الظلام قد حقق نصرا جزئيا في معركتة ومعارضتة للحكومة والدستور والقرارات ، فإن بقية مكونات الحركة الديمقراطية والوطنية مازالت تعاني من ضعف الكادر الجماهيري، ومن ضبابية أهدافها النضالية، ومن ركونها إلى النضال السهل ونضال البيانات والمؤتمرات.
يظهر من خلال الملفات المطروحة اليوم على النخبة وعلى قوى المجتمع بصفة عامة، أن البلاد مازالت تعيش مخاضا عسيرا من أجل التنمية ومن أجل الديمقراطية والمساواة والعدالة. ونظرا لضخامة هذه الملفات وصعوبة حلها، في ظل تشتت وخلافات تشق قوى المجتمع.. منذ زمن بعيد. ولأن الخلافات والمعارك الايديولوجية لم تحل للشعب مشكلة، بل عمقت جروحه. ولأن التجربة أثبتت أن الأنظمة والقوى الاستعمارية تعتمد سياسة التفرقة والتشتيت حتى تحقق أهدافها. ولأن التجربة أثبتت أن كل تشتت ومعارك جانبية تنتج عنها هزائم ونكسات. ولأن النخب أو أغلبها على الأقل بدأت تعي حجم الأخطاء التي وقعت فيها فيما سبق، وتضررت منها جميع القوى. فإن الوقت قد حان لكي يفكر الجميع في تحالف تاريخي مدني وسياسي، يجمع كل الفرقاء أو أغلبهم، مهما كانت توجهاتهم وتجاربهم، من أجل هدف واحد هو تحقيق الحرية للشعب والخروج به من حقبة الديكتاتورية وفسادها إلى الدولة المدنية وعدالتها، وعندها سيكون لكل فرد أن يعبر عن رأيه بكل حرية، وأن يدافع عن مشروعه دون تجريم أو تخوين