في مقالي السابق تحدثت عن مستنقع الأخبار الكاذبة وكنت أنوي استكمال الحديث عن جوانب ٱخرى في الشأن المهني الإعلامي لكن غيرت رأيي وقررت الكتابه في موضوع ٱخر وإن كان ليس بعيدا عن تحولات المشهد الإعلامي حيث استرعى انتباهي أمران :
* الأول تكريم مطربي مايسمى المهرجانات في مهرجان الرياض ومنحهم من الهدايا والعطايا ما يثير علامات الاستفهام واصرار قناة فضائية على الترويج لهذا النوع من الإسفاف الذي لا يمكن ان نعتبره فنا من فنون الغناء!
* الأمر الاخر حديث للاعب محمد صلاح ( على القناة نفسها ) أحدث جدلا لأن المحاور اراد أن يوقع صلاح في المحظور ويشوه صورة واحد من أفضل ممن أنجبتهم مصر !
* تصادف مع هذا وذاك أن ارسل لي أحد الاصدقاء تفسيرا لكل ما يطرح من ظواهر سلبية استحوذت على الإهتمام الجمعي خاصة في مواقع التواصل الاجتماعي !
* ادمان الرداءة :
إن اعتياد الردئ من الفعل والقول يتحول الى ادمان كل ردئ مع الوقت وهناك نظرية في الاعلام تقول ان التكرار المغرض لفكرة ما يغير من ذوق الجمهور في إتجاه سلبي يؤثر على الوعي المجتمعي حتى وإن كانت فكرة مرفوضة !
ولما لا أليست الأغاني الهابطة كالمخدرات ..( اذا اعتدنا سماعها.. أدمناها ) .. ؟
فاذا كانت المخدرات والخمور تُذهب العقل وتؤثر على الادراك الحسي والمعنوي للاشياء فإن الأغاني الهابطة تقوم بالمهمة نفسها بل تتجاوز الجانب الإدراكي الى التأثير على جوهر التكوين الفكري للجمهور الأمر الذي يفسد الذوق العام ويشوه قيم الجمال !
وهنا تكمن الخطورة الحقيقية..أو كما يقول صديقي المحترم ( لو اعتدت على شم الزبالة بكل عفانتها ، حتستحلاها ومش حيكيفك غيرها ) !
* منطق جوبلز :
وفي الواقع هذا ما أراده هاني شاكر نقيب الموسيقيين في معركته مع شاكوش وبيكا ، ولكنه فشل في توصيله للمتلقين والنخبة واصحاب القرار ..
ونتيجة لذلك لعب البعض على ذلك ممن يتركز جل همهم واهتمامهم بالدعاية والاعلان واستوعبوا بإتقان مقولة وزير الدعاية النازي جوبلز ( اعطني اعلاما بلا ضمير اعطيك امة بلا وعي ) !
ومن ثم بمجرد ما عرفوا بما قام به نقيب الموسيقيين سارعوا الى استضافة اصحاب السفاهة والفن الهابط الذين يطلقون على انفسهم مطربي المهرجانات وقام اصحاب البرامج المسماه توك شو بافساح المجال لهم للظهور في تحد واضح للرأي العام مبررين ذلك بإنه حرية التعبير واتاحة الفرصة للراي الآخر وهو حق يراد به باطل !
* الممنوع مرغوب :
إن إلقاء الضوء على النماذج الهابطة يزيد من فضول الجمهور للاستماع لهم إعمالا لفكرة الممنوع مرغوب وتكرار ظهورهم يؤدي الى التعود عليهم وادمان سمومهم لدرجة ان البعض قال:
( سوف نصل ليوم من كثرة ما اعتدنا على رداءة هؤلاء لو سمعنا عبد الوهاب وام كلثوم ووردة وعبد الحليم ، سنعرض عنهم
لأننا سمحنا للرداءة ان تتصدر المشهد !! )
ولنا في فيلم الكيف المثل و النموذج الواضح حيث عرض الفيلم قضية المخدرات وبالتوازي معها طرح قضية الإسفاف والهبوط الفني الذي عبرت عنه الأغاني الرديئة التي تتضمن مفردات خارجه عن المألوف من لغة الكلام وتصل الى الجمهور عبر وسيط اعلامي يدخل كل البيوت بلا استئذان !
ونلاحظ ان الاهتمام انصب على المخدرات واهملنا قضية الفن الهابط والإسفاف رغم أنها لا تقل خطورة بل تزيد أنها غير ملاحقة ولا تقع تحت طائلة القانون !
اذن نحن أمام مسألة التلاعب بالعقول وتدمير الوعي الجمعي!
* خلل مفهوم الاخلاق :
وهنا يأتي حوار نفس القناة الفضائية (غير المصرية) مع ابن مصر وفلذة كبدها محمد صلاح وكيف ارادت تشويهه أمام محبيه بإجباره المرور على حقل من الألغام !
مثل سؤال غريب عن الخمور واجاب صلاح بذكاء فطري أنه لا يحب شرب الخمر لأنه يحافظ على لياقته العقلية والبدنية وابتعد عن الحديث عن فكرة التحليل والتحريم حيث يعيش في مجتمع لا يعترف بحرمانية الخمر فاذا حدثهم عن ان الخمور محرمة في الدين فإن صلاح انتقل من كونه رياضيا الى داعية وهو امر مقصود للايقاع بين صلاح باخلاقة وتدينه والتزامه والمجتمع الذي يعيش فيه سفيرا لمصر والمصريين حتى يتم تغيير الصورة الذهنيه عنه ويوصم بإنه متطرف أو له ٱراء متشدده !
ودعوني استشهد برؤية صديق ٱخر قال ( كشف لنا “محمدصلاح” عن وجود خلل لدينا فى مفهوم الأخلاق؟!
بين الأخلاق السامية، والأخلاق الوجوبية.. فالاخلاق الاولى هى كل ما يتعلق بكل ما هو جيد،وحسن، ومفيد لانه لا يتفق مع ميولنا ولا يشبع رغباتنا.. وهناك أخلاق الواجب فهى تتعلق بكل ما نلتزم به كعمل إجبارى فيه إلتزام وإكراه سواء بالقانون أو أحكام الشرائع..
كشف لنا “محمد صلاح” انه يمتلك سمواً اخلاقياً بإرادته يرتفع ويرتقى فوق أخلاق الخضوع والاإرادة.. فهو رجل على خلق بمحض إرادته.. وتلك هى الأخلاق الغائبة فى ظل طمس الرموز الاخلاقية فى المجتمع وإفساح المجال لكل ما هو مبتذل.. )
* علامات استفهام !:
مرة اخرى تبرز امامنا علامات استفهام اخرى بشأن توجه يبدو للوهلة الأولى انه معك ولكنه في الحقيقة يقف ضدك !
أخيرا لا يبقى غير القول إن الإسفاف انحدار الى منزلق يقود الى مستنقع يستلزم الاحتشاد والتصدي له من قادة الرأي والنخب ومتخذي القرار في المجتمع وهنا لابد من همسة عتاب (في اذن ) المجلس الأعلى لتنظيم الاعلام لماذا هذا الصمت إزاء كل ما يحدث؟ في الموروث الشعبي يقولون ( السكوت علامة الرضا ) وهو ما لا اتمناه !