بعد أن اتبعت الولايات المتحدة “سياسة احتواء” روسيا على مدى العقدين الماضيين ، شنت منذ ثلاثة أشهر تقريباً حملة أخرى مناهضة لها ، وهذه المرة بحجة اعتداء وشيك في أوكرانيا. كان من الواضح تمامًا أن العملية الدائمة لشيطنة روسيا كانت بحاجة إلى دوافع جديدة. كالعادة ، ارتبطت تلفيقات واشنطن بنشاط في أوروبا، وخاصة من قبل الدوائر المعادية للروس، وبالطبع نظام كييف. على الجانب الروسي، تم تقديم التفسيرات بهدوء وصبر، مما يؤكد سخافة الافتراضات حول التحضير لغزو في عمق أوكرانيا.
روسيا ليست بحاجة إلى مواجهة مشاكل دولة، دمرها حكامها بدعم من الغرب. في الوقت نفسه ، كانت موسكو قلقة بشأن إمكانية تصرّفات كييف والمغامرة ضد دونباس. في هذه الحالة ، لا يمكن لروسيا أن تسمح بحصول مذابح بحق المدنيين هناك، وخاصة أن معظمهم من المواطنين الروس أيضًا.
في ظل هذه الظروف ، اتخذت موسكو خطوة غير متوقعة، أدت إلى تغيير جذري في الوضع. بحيث تم طرح مطالب على الغرب، لتوفير ضمانات لأمن روسيا، على وجه التحديد ، ولإعطاء التزامات ملزمة قانونًا، بعدم توسيع الناتو إلى الشرق، وعدم نشر أسلحة هجومية في أوروبا الشرقية. يجب أن نحترم مبدأ عدم تجزئة الأمن، واستحالة تعزيز أمن أي طرف على حساب الطرف الآخر. وفي هذا الصدد، تم اقتراح مسودّة معاهدة مع الولايات المتحدة، ومسودّة اتفاقية مع حلف شمال الأطلسي، ومن شأن إبرامها أن يجعل من الممكن استعادة الاستقرار في الفضاء الأورو-أطلسي لصالح جميع دول هذه المنطقة، بل ومصالح عموم دول المنطقة والمجتمع العالمي.
قد يبدو للبعض أن روسيا قدمت اعتباراتها في سياق الأحداث الجارية، كعنصر من عناصر المساومة حول أوكرانيا. حاول السياسيون الغربيون ووسائل الإعلام الرد بنبرتهم المعتادة: الاستمرار في لعب ورقة “العدوان الروسي” ، والانتقال مرة أخرى إلى التهديدات بفرض عقوبات جديدة و “الثمن الباهظ” الذي ستدفعه روسيا. لا يزال الغرب متمسكًا بهذا الخط في الفضاء الإعلامي.
ومع ذلك، فإن الوضع على الواقع مختلف. والسبب هو أن المطالب الروسية تستند إلى الإمكانات العسكرية والاقتصادية، والتي تعززت باستمرار طوال الفترة التي حكم فيها الرئيس فلاديمير بوتين. لم تعد روسيا تنوي التسامح مع توسع الناتو والتهديدات المباشرة لأمنها. إذا لم تتوصل الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى اتفاق مع موسكو عبر المفاوضات، فستتخذ روسيا إجراءات عسكرية رادعة، تراها ضرورية لحفظ أمنها وإجبار الآخرين على مراعاة هواجسها وحماية مصالحها، والتنفيذ العملي للمتطلبات المطروحة.
وهذا هو العامل الأكثر أهمية الذي يجب أخذه بعين الاعتبار في الغرب اليوم.
على أي حال، تجري الآن كما بات معلوماً دراسة المطالب الروسية من قبل الغرب، وسيتم تقديم الإجابات عليها. وسيقوم الجانب الروسي لاحقاً بدراستها، وسيقرر ما إذا كان من الممكن مواصلة المحادثة مع الغرب على أساسها. في الوقت نفسه ، من الواضح أن القضية خطيرة للغاية، ومستقبل البشرية على المِحك وعلى جدول الأعمال. إذا حاولت واشنطن تكرار العبارات التي تتحدث عن “العدوان الروسي في أوكرانيا” ، أو التهرّب والمماطلة وإضاعة الوقت، أو حجة الرجوع إلى “آراء الحلفاء”، فإن عدم المسؤولية هذا، سيُكلّف الولايات المتحدة ثمناً باهظاً.
يجب أن يكون واضحًا أيضًا، أنه لن تؤثر أي وسيلة من وسائل الابتزاز على روسيا. فلقد تم اتخاذ قرارات أساسية بشأن الإستراتيجية في المرحلة القادمة، وسيتم تنفيذ هذه الإجراءات دون تردد. وتجدر الإشارة إلى أن الرئيس فلاديمير بوتين أعلن في خطابه في ميونيخ عام 2007 ، عدم قبول عالم أحادي القطب. لكن يوم ذاك لم يكن لدى روسيا الوسائل الكافية لإعادة التوازن على الساحة الدولية. أمّا الآن فهناك كافة الوسائل والإمكانات، بما في ذلك أنواع جديدة من أفضل وأكثر الأسلحة تطوراً في العالم.