(مجاعة الخبز ) قادمة لا محالة، كيف ولماذا وماذا يجب أن نفعل :
1- إن من الخطأ توقع نهاية سريعة للتحرك العسكري الروسي والغير روسي في أوكرانيا ، وبكل بساطة ما نراقبه ونراه يحدث ليس مجرد دخول عسكري يهدف إلى السيطرة على الأرض أو إلى تغيير القيادة الأوكرانية المتمثلة في رئيس تدور حوله عدة تساؤلات وطريقة وصوله إلى الحكم . هناك ما هو أبعد من هذا ، ويكفي النظر إلى أوكرانيا كموقع جغرافي متوسط بين الشرق والغرب شديد الحساسية لكن لما له من تأثير جيوسياسي مباشر على أمن واستقرار ليس القارة الأوروبية وحدها فقط بل على العالم كله وهذا ما بدأ يشعر به العالم بالفعل فالأزمات المالية والاقتصادية والغذائية التي تخرج من( سلة الغذاء ) ، كما يطلق عليها تطال اليوم كل دول العالم المختلفة وبعد فترة قصيرة تكاد تكون أيام محدودة من بداية هذه الحرب إضافة إلى أزمة الطاقة وارتفاع الأسعار العالمية ، كل هذه التغيرات المفاجئة السريعة والتي أوجدت حالة من الهلع الغير متوقع وصل إلى التهديد بحرب نووية، كل هذه المعطيات تشير إلى أن هذا التدخل العسكري المفاجئ له غايات بعيدة المدى لا تقتصر على الحدود والحالة الأوكرانية فقط والتخبط الدولي الحالي بشكل غير مسبوق والضغوطات الضخمة التي وقعت على دول فاعلة في النظام العالمي الحالي السياسي والاقتصادي والمالي ، كل هذا تم تحقيقه بالفعل وفي فترة وأيام وجيزة فهل حدث هذا كله لمجرد الاستيلاء على بعض من المناطق الأوكرانية أو فصلها أو حتى استرجاعها بالمفهوم الروسي في تبرير الحدث . ما أتوقع حدوثه هو أن تتحول أوكرانيا إلى منطقة نزاع يراد له أن لا ينتهي بسرعة ، نزاع طويل سيجعل من هذه الأرض مقبرة جماعية لكل الجنود المرتزقة الذين سوف تزداد أعدادهم ويدخلونها للمشاركة في حرب ستكون لهم مجرد إبادة جماعية مبرمجة لن يخرج منهم جندي واحد على قيد الحياة . وهذا قد يكون واحد من أهداف هذه المعركة والتي قد تم التخطيط لها مسبقا . سيظهر لاحقا بوضوح هذا الأمر والغاية منه عندما تصل بنا الأحداث إلى داخل الشرق الأوسط .
2- وبما أن هذه الرؤية للمشهد لا تعطي أمل بنهاية قريبة لهذه الحرب وتداعياتها فإن تطورات قادمة غير سارة على مستوى الأمن الغذائي والمالي لعدة دول سوف تكون نتيجة حتمية . وما تفعله دول العالم الآن هو وضع برامج لمواجهة هذه الأزمات القادمة في حالة من استبعاد رد عسكري يضع العالم أمام خيارات صعبة لا بديل لها وهي الحرب العالمية الثالثة المرفوضة فكرتها لما ستكون عليه قدراتها التدميرية . ويجب التحضير لهذه التطورات التي بالنسبة لدول عربية على وجه التحديد سوف تكون خطيرة على أمنها الوطني وقد تتسبب في تداعيات صعبة لها القدرة على إحداث تغيرات على أصعدة كبيرة مما قد يجعل من التدخل الخارجي المحتمل أمر محتوم في مناطق استراتيجية حدودية خطيرة . هل نحن أمام خطة تقسيم الشرق الأوسط ؟ هذا التساؤل طرحه دبلوماسي مصري سابق في مقالة كتبها قبل عدة سنوات مضت : خطة الشرق الأوسط الجديد هل هي خطة روسية ؟ كان التدخل الروسي العسكري في سورية في تلك الفترة يثير فضول المراقبين وكان هذا التساؤل يبدو منطقيا إلى الحد الذي يجعلك تضعه ضمن قائمة احتمالات أساسية مع أن المشهد حينها كان يبدو تشاركي روسي – أمريكي .
3- كل هذه الاحتمالات لا يجب إهمالها من دون التوقف عندها ، نحن أمام عملية مخططات وحسابات قد لا تكون فردية لدولة واحدة ونحن أمام تحالفات دولية جديدة لكنها سرية وغير معلنة وهذا يجعلها أكثر فاعلية في رسم الأحداث ومساراتها القادمة . إن أفضل وسيلة لمواجهة المخاطر هو توقعها قبل حدوثها ، والتحضير لطرق مواجهتها قبل الغرق في تداعياتها . واحد من أهم الأسلحة الدفاعية في هذه الظروف هو حماية الأمن الغذائي . سوف تحدث مجاعة في عدة دول لم تستعد مسبقا لهذا الوضع ، وسوف تحدث مجاعة الخبز لأن القمح لن يتوفر حتى لو دفعت له أثمان كبيرة سيكون سلعة مفقودة من الأسواق . الدول سوف تغلق أبوابها أمام تصدير سلعها ومخزونها الغذائي إلى الخارج هذه ستكون سياسة دفاعية متوقعة ستمارسها دول تصدر منتوجات زراعية أهمها القمح وروسيا قد بدأت بفعل هذا وسوف تتبعها بقية الدول المنتجة للقمح مثل كندا والولايات المتحدة الأمريكية والصين التي خزنت كميات كبيرة واشترت القمح بأسعار مرتفعة من الأسواق المالية العالمية ، أوكرانيا بالطبع لن تنتج القمح بسبب حالة من الحرب المستمرة . العام المقبل 2023 سيكون الأصعب .
4- خطة مواجهة قد تكون مفيدة إذا بنيت على الاعتماد على الموارد والكفاءة الذاتية . برنامج زراعي مكثف يتطلب حصر الأراضي الزراعية أو القابلة للزراعة داخل الدولة . ثم وضع اليد على كل الأراضي الغير مستغلة من قبل مالكيها بحيث تبقى الملكية لأصحابها مع تقديم اعفاءات ضريبية لهم مقابل استخدام أراضيهم ، وهذه الأراضي في بعض الدول شاسعة المساحات بالفعل وغير مستغلة يتم تملكها عادة لغاية الاستثمار البعيد المدى . العمل على زراعة أكبر مساحات متوفرة من الأراضي مع التركيز على أن ليس القمح وحده مصدرا لصناعة الخبز هناك أيضا الذرة والشعير والشوفان وأنواع مختلفة من الحبوب حتى البطاطا يتم صنع خبز لذيذ الطعم من طحين البطاطا في إيطاليا مثلا مع إمكانية خلط عدة أنواع من طحين الحبوب المختلفة مع بعضها البعض . الخبرات متوفرة لدى الدول العربية كما هي متوفرة المساحات والأراضي الزراعية . العمل الآن دون تأخير لتجنب مجاعة الخبز القادمة في العام المقبل .
5- أخطأ العرب حين أوقفوا مشروع السوق العربية المشتركة ، كان هذا السوق سيكون القوة التي من خلال حماية الأمن الغذائي والمائي والمالي وتحقيق الاكتفاء الذاتي ومواجهة التحديات بالتشارك ليس المقصود الدعم المالي لكن تبين الآن وفي هذه الأوضاع أهمية الجمع بين القدرات البشرية متمثلة بعددها أيضا وليس بخبراتها فقط ، وبين المساحات الخضراء والأراضي القابلة للزراعة ومصادر المياه وما تعكسه هذه الضرورة على أمن الدول العربية وأعني أمنها الوطني في النهاية . ما زال البعض من الحكماء في الدول العربية يعيدون التذكير والتركيز على ضرورة إعادة النظر في قضية الأمن المشترك والمخاطر والتهديدات التي لن تستثني منها أحد ، ما زالت حالة من التفكير والقلق تعمل على تقريب وجهات النظر والتقدم في هذا المجال بهدف إعادة صياغة العمل العربي المشترك . لكن الوقت يمر بسرعة والوقت لن يرحم أحد والمطلوب هو التسريع في تشريع وتفعيل قرار وخطة مواجهة متكاملة عربية مشتركة على صورة السوق العربية المشتركة .