(1)
قل هي روح الأمة وعقلها التي لا تأخذها سنة أو غفلة.. قل هي الذاكرة المتجددة للأمة العمانية.. قل هي العصب النابض بالحياة والحيوية في شبكة المجتمع العماني حاضرا وحضارة..فل ماتشاء.. فهذه الدار دار بقاء إذا طوى النسيان كل شيء.. إنها هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية التي تشمخ في فضاء مسقط العاصمة والمدينة التي جادلت الزمن، وحاورتها الأيام أكثر من أية مدينة معاصرة على شاطىء الخليج، واتخذت منها الأحداث مسرحا أكثر من أي مسرح آخر في اكتشاف معادن الشعوب.
(2)
إذا أردت أن تعرف شخصية مجتمع فانظر إلى وثائقه التاريخية الوطنية، توثيقا وتحقيقا، وتسخير التكنولجيا لخدمتها حفظا وصيانة.
وإذا أردت أن تحكم على مدي تطور وتحضر أي مجتمع فانظر إلى آثاره التي تبوح بأسراره، واستثمارها لخدمة الراهن استنطاقا واستلهاما، ورعاية وعناية،
(3)
أثناء زيارتي لهيئة الوثائق والمحفوظات العمانية في مسقط، المعني يتناغم مع المبنى، الشكل يتناسج مع المضمون، الرؤية تتناسق مع الأداة، أحطت خبرا بالمحتويات منظومة متكاملة تختزن ذاكرة الأمة العمانية حضارة وحاضرا، جذورا وتمديدا، تاريخا وتأريخا، جغرافيا سياسية وطبيعية.. رحت أتسلق شجرة الذاكرة وأستدعي هذا الطرح الذي أبثه وسأظل: أنت أثري؟ إذن أنت عصـري..! وما أصعب أن تكون بلا جذور.. أو أن تكون جذورك في الهواء.. وما أصعب التوهان في عصر الإستعارة.. مسكين ذلك الإنسان الذي يحلق في فضاء العصر ، وليس بين أجنحته جناح تراثي.. ولا في قلبه نبضة أثرية.. ولا في دمه قطرة تاريخية.. ولا في عينيه عدسة حضارية.. حين تتدثر بعباءتك التاريخية، تكتسب المهابة والرحابة، وتكتسي بالإجابة والاستجابة، حين تتلفح بوشاح حضارتك.. تزهو وترنو.. و تهفو اليك العصرنة لعلها منك تفيد، وتضيف إليها ، وتضفي عليها من من رحيق جذورك، وجدودك، وحدودك الجغرافية، وجغرافية حدودك البشرية، وبشريتك التي باشرت بها انسانيتك في المعارف والفنون والاداب والعلوم في مختلف التحولات والإنعطافات وتباين الفواصل والمراحل .
(4)
وإذا مررت مثلي في جنبات هذه الدار العريقة، وأطلعك أبناء هذا الجيل العصري على المزيد من كنوز عمان التاريخية، يتأكد لديك أنت بتراثك إنسان عصري، أنت بتراثك كائن مودرن أنت بتراثك ثري، وثراؤك من معراجك الى باطنك، وثرياك من ثراك، وبقاؤك في فنائك في لملمة رموز ماضيك.. واستمراك مرهون باستقرارك، وازدهارك في غدك الموصول بأمسك كلما عدت اليه خطوة تقدمت للغد خطوين، حداثتك في أصالتك، عصريتك في كلاسيكيتك، أنت متجذر ؟ إذن أنت تنمو..! أنت أثري ؟ إذن أنت عصـري..!
(5)
التقيت د. حمد الضوياني رئيس الهيئة، مثقف عماني التكوين، عربي الهوي، قومي النظرة، مواطن عالمي له رؤية، وما أصعب ان تلتقي بصاحب رؤية في هذا الضباب العالمي حميمي العلاقة مع الوثائق والتاريخ البعيد عن أن يكون أكبر جهاز لتكييف (الهوى)حدثني عن رؤيته والروح الكلية للعاملين كسيمفونية متجاورة الأبعاد يسخرون التكنولوجيا لخدمة الوثائق خاصة أن عمان لها مع التأليف الموسوعي باع طويل آثارها تبوح بأسرارها مخطوطاتها تعبق بالفكر الرفيع مخزون هائل يختزل تاريخ وطن حي
تعلي القيادة السياسية من مكانة «شخصية» هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية بموجب المرسوم السلطاني رقم 60/2007م وهي تتبع مجلس الوزراء وتتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال الإداري والمالي وتعنى بتنظيم وإدارة الوثائق والمحفوظات، لتتولى صفة أساسية تطوير مجال الوثائق والمحفوظات والإشراف الفني على تنظيم الوثائق العامة الجارية منها والوسيطة بالجهات المعنية وجمع أرصدة ومجموعات المحفوظات وترتيبها وحفظها حماية للتراث الوطني والعمل على حسن استغلال المحفوظات وتشجيع البحث العلمي والإبداع الفكري والفني وأيضا جمع وحفظ الوثائق المتعلقة بالدولة في الخارج وتمكين المستفيدين من الإطلاع عليها.
(6)
وتنتظم استراتيجية الوثائق العمانية رؤية، وللرؤية أدواتها التي تمكنها من التحقيق، وذلك وصولا إلى تحقق هدف متعدد المسارات، فأما الرؤية فتتجلى في إرساء نظام وثائقي مبني على أسس علمية يسهم في تنظيم إدارة الوثائق بالجهات الحكومية ويعمل على تطوير مجال الوثائق والنهوض به والعمل على حسن استغلال وتشجيع البحث العلمي والإبداع الفكري والفني، وأما الغاية فتتمثل في بناء نظام عصري للوثائق في سائر الوحدات الحكومية الخاضعة لقانون الوثائق وحفظ الوثائق للذاكرة الوطنية وإبراز القيمة الثقافية والعلمية والتربوية وتشجيع البحث العلمي، وأما الهدف ، أو الأهداف، فأولها بناء نظام إدارة الوثائق في الجهات الحكومية الخاضعة لقانون الوثائق والمحفوظات وتقديم الدعم الفني في مجال البريد وإدارة الوثائق لجميع دوائر الوثائق بالجهات الحكومية، ثم جمع الوثائق التي تخص السلطنة من دور الوثائق والأرشيفات الدولية وأن مهام هذه المرحلة قد تستمر لسنوات حيث تمكنت الهيئة من حصر المؤسسات في الخارج وإجراء الاتصالات اللازمة لتمكن من الحصول على مجموعات من الوثائق التي تخص السلطنة،
(7)
لابد أن لدى الهيئة رسالة، ذات عنون عريض أو مانشيت بلغة الصحافة« نحفظ تاريخنا العريق لنبني مستقبل مشرق» وذلك بتطوير مجال الوثائق والمحفوظات وحفظ التاريخ، حماية للتراث الوطني ولتشجيع البحث العلمي، وتسعى الهيئة إلى العمل على تيسير الاطلاع على المحفوظات، العمل على تيسير البحوث العلمية ونشرها، تشجيع البحث العلمي والفكري والفني من خلال الاستغلال الأمثل للمحفوظات.
ومن جميل صنع الهيئة، استقطبني مشهدان، إذ تمتلك معملا آليا خاصا بعمليات الاتلاف يتعامل بالمواصفات العالمية في الشأن، ويقوم بعمليات اتلاف آمنة ومطابقة لمواصفات الأمن والسلامة وكذلك أمن البيئة، والمشهد الثان..تحديد تعريف الوثيقة في القانون العماني للوثائق: (أيا كان تاريخ هذه الوثائق وشكلها ووعاؤها) فالقانون العماني يتبنى النظرة الشمولية وإمكانية تطبيق نظام إدارة الوثائق بأشكال عدة حسب حاجة وإمكانات الجهة المعنية، فإذا كانت الجهة لديها توجه عصري لإدارة الوثائق بالطريقة الإلكترونية فيمكنها ذلك بعد الرجوع للهيئة واستيفاء المواصفات القياسية المحددة والمنظمة لهذا الجانب، وتأسيسا على ذلك، تؤدي الهيئة رسالتها الثقافية والعلمية والعملية، وأشهد أن ثمة قيمة تتجلى في مطابقة التصورات للتصديقات، وضيق المسافة بين التنظير والتطبيق، والسعي إلى تلاشي المساحة بين القول والفعل.
(?
ذاكرة الوطن لأية أمة.. لا تضاهيها أية ذاكرة..!
@@@@