في بعض المجتمعات المتأخرة، ينتشر وصم الفتيات اللاتي يتقدّمن في العمر دون زواج. وصم يمس السمعة والشرف، يدفع الأهالي إلى تزويج بناتهم في سن صغيرة “تجنبًا للشائعات، وخوفًا من العنوسة”.
هذا المنطق في التعاطي مع المرأة في هذه المجتمعات، والذي يتفاقم تأثيره في الأحياء الشعبية والريفية، إلى جانب عامل الفقر، يدفع الأسر إلى تفضيل إنجاب الذكور على الإناث؛ فالذكر بمنطقهم منتج أما الأنثى ففرد مستهلك، لا يدر المال إلا في حالة واحدة؛ التزويج في سن صغيرة بغرض الكسب المادي.
يتم هذا التزويج المبكر تحت مسمى الزواج التعاقدي والذي من خلاله ينتشر الزواج السياحي بغرض الحصول على المال. وهو أمر يمثل استغلالًا جنسيًا للفتاة يرتقي إلى جريمة الاتجار بجسدها “الاتجار بالبشر”، أحد أبرز أشكال العنف ضد النساء والفتيات وأكثرها خطورة.
الكثير من الرجال الراغبين في هذا الزواج، يفضلون الفتيات الصغيرات القادرات على إنجاب الكثير من الأطفال واللاتي يتمتعن بزهوة الشباب. هو منطق استمتاع إذن ضحيته الكبرى فتاة صغيرة، تُجبر على الطاعة وسلبية الاختيار وسلب الإرادة والمعرفة. وهم هنا (الرجال) يستغلون إبهار الصغيرات بفستان الزفاف والزغاريد والذهب والملابس الجديدة والمنزل الجديد، وميلهن للبعد عن تحكمات الأسرة ومضايقات الأهل لهن بين الحين والآخر.
نلاحظ أن معدلات الزواج في سن صغير في أغلب الإحصائيات الأخيرة كبيرة وخاصة في القرى والمناطق الشعبية التي لا تتوفر بها مدارس ثانوية قريبة ومناسبة للفتيات، ما يجعل الأهالي يرفضون أن تذهب بناتهن إلى مناطق بعيدة للتعليم ويفضلون إنهاء مسيرتهن التعليمية، ليصبح الزواج الحل الأمثل، دون اكتراث بالمشكلات الصحية والنفسية التي يتعرضن لها ويعززها عدم نضجوهن جسديًا وجنسيًا.
مع فشل هؤلاء الفتيات في التأقلم مع الحياة الجنسية الجديدة يتعرضن للعنف الجسدي (الضرب) والجنسي (الاغتضاب الزوجي)، هذا فضلًا عن فرص الحمل المبكر التي تحمل مخاطر صحية شديدة تتفاقم إلى الإصابة بفقر الدم وهشاشة العظام والضعف العام والنزيف والتهتك بالأعضاء التناسلية، وكلها أمور تعود إلى عدم إدراكهن ماهية العلاقة الجنسية وإجبارهن عليها.
كذلك، فإن نسبة كبيرة من الفتيات الصغيرات في حال الزواج المبكر هن أقرب للتعرض للإجهاض المتكرر، لأسباب منها عدم اكتمال الجهاز التناسلي وضعف البنية الجسدية.
أيضًا فإن المخاطر الصحية على الفتيات الصغيرات المدفوعات إلى الزواج المبكر تصل إلى حد الوفاة، خاصة في الفئة العمرية من 15-19 عامًا، ذلك مع عدم قدرتهن على الحصول على معلومات موثوقة تتعلق بالصحة الإنجابية ووسائل منع الحمل.
وإن نجون، فإن نسبة كبيرة تكون عرضة للإصابة بالأمراض النفسية مثل الاكتئاب والوسواس القهري وفصام الشخصية واضطرابات ثنائية القط، مما قد يهدد حياتهن، حيث يجعلهن أكثر ميلاً للانتحار، لأسباب عدة أسرية ونفسية، على رأسها المسؤولية التي تتحملها الفتاة في سن صغير.
وفق الإحصائيات المعلنة من الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء، فإن حوالي 40% من المتسربين/ات من التعليم خضن تجربة الزواج المبكر. وهذه النسبة تستسلم بطبيعة الحال للعنف الممارس ضدها من قبل الزوج أو الأسرة ولا تتمكن من المقاومة أو رفض العنف الممارس ضدها، لعدم وجود مصدر دخل يساعدها في إعالة نفسها ومن ثم الاستقلال بحياتها.
ويؤدي ذلك إلى زيادة معدلات العنف الأسري، والاعتداء الجسدي أو اللفظي أو الاغتصاب الزوجي.
أيضًا تواجه هذه الفئة مشكلات قانونية عديدة منها، عدم توثيق عقود الزواج لدى الجهات المختصة لصغر سن الزوجة (قاصر)، وهو أمر يعود بالضرر إلى الأطفال الناتجين عن هذه الزيجات، والذين ترفض الجهات الحكومية إصدار شهادات ميلاد لهم قبل توثيق عقد الزواج، هذا فضلًا عن إسقاط حقوق الزوجة التي يكفلها لها القانون في حالات الطلاق قبل توثيق عقد الزواج.
لمعالجة هذه الأزمة، نحن كمجتمع بحاجة إلى آلية تعامل مختلفة تولي أهمية قصوى لخلق مجتمع آمن لكل النساء والفتيات في بيئات مستقرة توفر أطر قانونية تتماشي مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، بما في ذلك قوانين خاصة بحظر الزواج القسري وتسجيل المواليد وحالات الزواج.
نحن بحاجة لتعديل القوانين من أجل إزالة العقبات القانونية الماثلة أمام الفتيات، والمتعلقة بمنع أو حظر تزويج الأطفال، ووضع خطة ملائمة لتنفيذها على أرض الواقع حتى لا تصبح كالعادة مجرد حبر على ورق، مع تجهيز برامج شاملة لتوفير الدعم الاقتصادي لهؤلاء الفتيات اللاتي يلتحقن بالمدرسة، وذلك لمساعدتهن في مواصلة التعليم العالي وتأخير زواجهن حتى يخضعن للتوعية الشاملة من قبل متخصصين بكافة الأضرار الصحية والاجتماعية والقانونية التي تقع عليهن،
نحن بحاجة أيضًا إلى توفير منابر وفرص للنقاش داخل المجتمعات المحلية والأسر بشأن فوائد تأخير الزواج وضمان حصول الفتيات على التعليم الجيد، وتقديم التثقيف الملائم بشأن الحياة الجنسية والصحة الإنجابية والمساواة بين الجنسين، وتقديم تدريبات للنساء والفتيات على مهارات الحياة، وضمان إدراكهن لحقوقهن فيما يتعلق بالزواج وقدرتهن على المطالبة بهذه الحقوق.
كما أننا بحاجة إلى تقديم التدريبات الفعلية للموظفين الحكوميين والعاملين بالجهاز القضائي والموظفين المكلفين بتنفيذ القانون والعاملين في وزارة الصحة وكافة القطاعات المعنية، بشأن كيفية التعرف على الفتيات المعرضات للعنف، ووضع تشريعات خاصة بتدابير الرعاية والوقاية.
كما يجب توفير الموارد المالية والدعم للبرامج الشاملة المهتمة بالتصدي لممارسة تزويج الفتيات القصر، بما في ذلك البرامج التي تستهدف الفتيات المتزوجات داخل المجتمعات الريفية، وتنفيذ حملات توعوية في مختلف وسائل الإعلام المرئي والمسموع ووسائل السوشيال ميديا من قبل المؤسسات التنموية المتخصصة في الشأن النسوي والطفولة بشكل خاص، للوصول لأكبر عدد من شرائح المجتمع لتحقيق الهدف المرجو وهو القضاء على مثل هذه الأزمات التي تتفاقم بمشكلات أكثر تعقيدًا وانتهاكًا لأجساد النساء والفتيات، وتزيد من انتهاك وهشاشة جدار المجتمع الإنساني بأكمله.