احتفل العالم منذ أيام قليلة في ١٨ ديسمبر بيوم اللغة العربية تحت عنوان “العربية لغة الشعر والفنون”، ويصادف الاحتفال هذا العام مرور ٥٠ عاما على إصدار الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم ٣١٩٠ عام ١٩٧٣ والذي بموجبه تم إدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في الأمم المتحدة، بعد اقتراح قدمته المملكة المغربية والمملكة العربية السعودية، وذلك خلال انعقاد الدورة ١٩٠ للمجلس التنفيذي لمنظمة اليونسكو.
وتعد العربية من أقدم اللغات السامية، وإحدى أكثر اللغات انتشارًا في العالم، يتحدثها أكثر من ٤٥٠ مليون نسمة في جميع أنحاء الوطن العربي، فضلا عن عديد من المناطق الأخرى المجاورة، وهي من بين اللغات الأربع الأكثر استخدامًا في الاتصال عبر مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت، وكذلك الأكثر انتشارًا في التواصل على مستوى العالم.
ويرتبط مفهوم الاتصال ببدء الحياة، ويضرب بجذوره إلى ما قبل ظهور اللغة، ويرجع في نشأته إلى عصور ما قبل التاريخ؛ فمع بداية ظهور الإنسان ظهرت أشكال متنوعة للاتصال، لم تكن الكلمة أحد عناصرها، فقد اعتمد الانسان منذ بداياته في اتصالاته على عناصر البيئة المحيطة به، ساعيا من خلال ذلك إلى تحقيق أهدافه، فاستخدم الإشارات الضوئية بواسطة النيران، واستخدم الدخان كأدوات للاتصال، كما استخدم الاشارات الصوتية أيضا مثل طبول الحرب.
والإنسان بطبيعته لا يعيش بعزلة عن الناس؛ بل تقتضي ظروف الحياة التعامل مع الآخرين. وقد عمل الإنسان منذ نشأته الأولى على استخدام عناصر بيئته في التواصل مع غيره، ومع مرور الوقت عمل الإنسان على تطويع تلك العناصر لما يناسب احتياجاته وبما يحقق كفاءة أعلى وفاعلية أكبر في عملياته الاتصالي. وبمرور الوقت ومع تطور المجتمعات وتطور القدرات الذهنية للإنسان وقدرته على الكلام وتخزين المعلومات ثم الكتابة والتدوين وما تلا ذلك من تطورات، ظهرت اللغات المتنوعة ومن بينها اللغة العربية، التي ساعدت بشكل كبير على تطور الاتصال الإنساني.
ورغم ما اشتهرت به اللغة العربية منذ زمن بعيد من مساهمتها في الشعر والفنون، فضلا عن عديد من الأعمال الأدبية التي خلدتها اللغة العربية، فهي لغة ذات قوّة ساحرة تأسر القلوب وتجذب العقول، إلا أنه تظل أهم القضايا التي تواجهها تلك المتمثلة في كفاية اللغة في التعبير عن الجديد ومسايرتها للعلوم والفنون والآداب جميعا، فضلا عن ملاحقتها لركب التطور التكنولوجي؛ فقد أدي التداخل بين المعلوماتيّة كعلم والعلوم اللغوية إلى ظهور ما نسمّيه حاليا “حَوسبة اللّغة”، وهي من العلوم الجديدة المنبثقة عن هذا التداخل، والتي تمثل حجر الأساس في بروز مفهوم الذكاء الاصطناعيّ، بما يتضمنه من تطبيقات عديدة يعتمد بعضها علي خوارزميات الذكاء الاصطناعي أو غيرها من الخوارزميات التي تقوم علي العمليات الحسابية، وتتعامل مع معطيات قابلة للحساب. من هنا يثار تساؤل مفاده : هل اللغة العربية قابلة للحساب؟ وبعبارة أخرى : هل ما تضمنه العربية من عمليات ذهنية يمكن حسابها كونها تُمثل بالرموز اللغوية؟!
ولا تقع مسئولية الإجابة عن هذا التساؤل على عاتق اللغة في حد ذاتها؛ بل المتحدثين بها الذين ينبغي عليهم أن يكونوا ساعين نحو الخروج من دائرة الشكوى، والانتقال من قضايا الألفاظ والتراكيب، إلى قضايا الكفايات.