“القراءة فقط تبني مثقفا ولا تبني عالِما”.. “لكي تكون عالما لابد أن تكون لديك ملكة البحث والتنقيب والاستقراء وملكة الحفظ
فالعِلم صيد والكتابةُ قَيْدُهُ… قيِّد صُيُودك بالحبال الواثقة
فمن الحماقة أنْ تصيد غزالةً… وتتركها بين الخلائق طالقة”.
كانت تلك الكلمات من مقولات العالم المصري المتفرد وبطل مقال اليوم عن التريند المصري “الدكتور علي عبده”، أستاذ الهندسة النووية.
طابور طويل من العلماء والمبدعين والمتفردين من جنسية وأرض واحدة، يجوبون أنحاء الأرض ويبهرون دول العالم المتقدم بتفردهم وابتكاراتهم وإبداعاتهم، تلك التي تتجلي وتخرج للنور ببلاد تحتفي وتهتم وتسخر كافة الإمكانات لكل من لديه إضافة ينتفعون بها، وخاصة بعدما واجه هؤلاء الأمرين من المعوقات والمعوقين ببلادهم التي كانت أولى وأحق بكل إنجاز.
لعلنا فى السنوات القادمة نصلح من أخطاء الماضي، ونضع العلم والعلماء والمبدعين بأولوية اهتماماتنا وقبل طابور طويل من الاهتمامات التي لا ترقى لمثل هؤلاء الذين هم بحق طريق النور الذي إن اقتفينا أثره لن نضل أبداً.
و لعلنا نجد إلهاماً من نوع خاص فى قصة العالم المصري الدكتور علي عبده.
حصل الدكتور علي عبده على ماجستير في الهندسة النووية، والماجستير الثاني في تخصص العلوم الحوسبية، كما تم منحه درجة الدكتوراة في الاندماج النووي عام 2005، جميعها من جامعة ويسكونسن ماديسون بالولايات المتحدة الأمريكية.
كما يشغل حالياً منصب المستشار العلمي للمجموعة النووية للوحش الأمريكي أكبر شركات العالم في التنقيب عن البترول (شركة هالبيرتون الأمريكية).
شارك مع الدكتور أحمد زويل – رحمه الله – في تأسيس مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا، وترأس قسم هندسة النانوتكنولوجي فيها.
وعمل كبروفيسور للهندسة النووية بجامعة ولاية كانساس، وكذلك أستاذا بقسم الهندسة الميكانيكية بجامعة ولاية بنسلفانيا بهاريسبرج وكلية يورك الخاصة.
له أكثر من ستين ورقة علمية منشورة في أرقى المجلات العلمية، كما كانت له مساهمة فاعلة في تصميم وإنشاء وتشغيل المفاعل المصري الثاني في الأرجنتين.
وكذلك عمل بمعامل بورتلاند لتطوير التكنولوجيا التابعة لشركة إنتل لصناعة المعالجات الرقمية والميكروبروسيسورز بولاية أوريجون لسنوات عديدة.
و في السطور التالية سأعرض لحضراتكم كلمات الدكتور علي عبده التي يشرح فيها كيفية تحقيق النجاح من خلال تجربته الملهمة:
{أتذكر عندما نجحت في الثانوية العامة وكنت أريد الالتحاق بقسم الهندسة النووية بجامعة الإسكندرية منذ أن كنت بالصف الثاني الإعدادي، ذلك بعد قرائتي لكتاب مترجم عن الروسية بمكتبة جدي رحمه الله عن أخطار الانفجاريات النووية علي البشرية، فتعلقت بهذا المجال أيما تعلق وكان والدي معترضا ويريد إثنائي عن هذا الاتجاه وتحت ضغط مني اصطحبني لزيارة زميل له من الثانوي، كان الأول علي القطر المصري في الثانوية العامة وحصل علي الدكتوراة في الكيمياء الإشعاعية من تشيكوسلوفاكيا في ستينيات القرن المنصرم، للاستفسار منه عن هذا المجال الغامض ومجالات العمل في مصر بعد التخرج من الجامعة، فأبي رحمة الله عليه كان حريصا علي معرفة فرص عملي بعد التخرج، فسألني هذا العالم المصري الدكتور عبدالوهاب السبع الأستاذ وقتها بمركز تكنولوجيا الإشعاع سؤالا واحدا، لماذا تريد الالتحاق بقسم الهندسة النووية؟
فقلت له أريد أن أكون عالما، فقال لكي تكون عالما لابد أن تكون لك ملكة البحث والاستقراء والصبر والجد والمثابرة ثم أردف قائلا، نرى كثيرا من الشباب ممن يحصلون على أعلى الدرجات في كلياتهم ثم يفشلون في الماجستير والدكتوراة ويتعاملون معهما كما يتعاملون مع دراستهم التخصصية من قراءة كتب وحفظ وصم وخاصة في مصر والتي غالبا ما تقضي علي ملكة الإبداع والبحث والتنقيب.
-أتذكر حين تخرجت الأول على دفعتي بامتياز مع مرتبة الشرف الأولى، ولم أعين في الجامعة وعملت معيدا بمشروع مفاعل مصر البحثي، وكنت ضمن بعثة الحكومة المصرية للمساهمة في تصميم المفاعل النووي في شركة إينفاب في الأرجنتين، وكنت حينها في منتصف العشرينات من عمري، حيث بدأت تعلم أصول المهنة في التصميم النيوتروني لقلب المفاعل وكذلك التصميم الحراري لأحد التجارب،
أحسست حينها أن ما تعلمته في الجامعة شيء والحياة العملية البحثية والتصميم والهندسة شيء آخر.
-وقبيل حصولي على الدكتوراة من جامعة ويسكونسن ماديسون، كنت أتحدث ذات مرة مع مشرفي الدكتور ريموند فونك أحد أكابر العلماء في فيزياء الاندماج النووي والذي قال لي آنذاك:
“إننا نعلمكم في الدكتوراة كيف تفكرون وتجتهدون وتحصلون علي المعلومة وكيف تتعاونون مع نظرائكم وأعوانكم وهذا هو بداية الطريق لبناء العالم المجد المجتهد”.
-ثم دعوت أحد فطاحل العلماء ومساعدته إلى الجامعة وتكفلت بكل شيء لهما من تذاكر طيران إلى سكن ومأكل ومشرب لمدة شهر، وقمنا بعمل ورشة عمل لتعلم الحسابات الخاصة لهذه التجربة بواسطة برنامج يحمل اسم هذا العالم السبعيني (سنج لي)، و لولا وجود هذا العالم في معملي وتعلمي وتلامذتي منه أصول الحسابات التجريبية والخبرات المعملية لمكثنا فيها أبد الآبدين.
-دعوتي للشباب الذين ينشدون العلم ويبتغون العمل بالبحث العلمي،
(فبجانب قراءتك عليك أن تتلمذ على يد عالم باحث يأخذ بيدك إلى اول الطريق ويعلمك أصول المهنة ففيها كثير من الخفايا، ما لن تجده في أمهات الكتب، فالقراءة وحدها لا تبني عالِما).
وصدق رسول الله صلي الله عليه وسلم حين فرق بين الناس في مراتب التعلم،
حَدَّثَنَا ابْنُ شُعَيْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ:
“نَضَّرَ اللَّهُ عَبْدًا سَمِعَ مَقَالَتِي هَذِهِ فَوَعَاهَا، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ غَيْرِ فَقِيهٍ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ”.
إلى لقاء غير منقطع مع نموذج جديد للتريند المصري.