لا شك أن أهم ما يجب الكتابة والحديث عنه الآن هو ما جرى ويجري في الشقيقة “سوريا ” . ولا أراني في حاجة إلى التذكير بما كانت عليه علاقة مصر وسوريا فهي وثيقةٌ في ترابطهما التاريخي قديماً وحديثاً . بل يكفي التذكير بأن الجيش الأول كان في سوريا وكانا الجيشان الثاني والثالث في مصر ، كما يجب ألا نغفل التذكير بوحدتها مع مصر في ٢٢ فبراير ١٩٥٨م و التي حُورِبَت معنوياً وإعلامياً حتى أُفشِلَتْ عمداً بأيادٍ ( خارجية وداخلية ) ، فلم تَدَعْها بعض الدول الخارجية المتخوِّفة من فكرة القومية العربية أن تستمر و يتبعها تكوين جيش عربي موحد و إقامة سوق عربية مشتركة ، وأفْشِلَت ًأيضاً من الداخل العربي مْمَن كانوا يتوجَّسون خِيفةً من إنتقال عدوي الثَورات إلى بلادهم ، فتم الانفصال بين البلدين بعد ثلات سنوات في ٢٨ سبتمبر ١٩٦١م ، ولعلَّ الحديث عن الوحدة يأتي لاحقاً في مقالٍ مستقل على ضوء ما يستجد من نتائج ومواقف .
ولكن أمانة الحديث بالحقائق ودقة التحليل في أي موضوع تستوجب الكثير من الحَذَر والتَرَيْث حتي تَتوفَّر المعلومات الكافية ، وتتَّضِحُ الرؤية لما يضْمَن سلامة الطَّرح والتناول . فالأجواء في سوريا مازالت _ وستبقىٰ لفترةٍ ليست قليلة _ ملَبَّدةً بالغيوم المتبايِنة وربما المتضادة في ألوانِها ورائحتِها وما تُنْذِرُ به إن كانت برقاً ورعوداً أم أمطاراً خفيفة .
ومن هذه الغيوم ما هو قادمٌ من الخارج بشكلٍ مباشر
وغير مباشر ، ومنها ما ستكْشِفه المواقفُ الدولية وتأثيرها على سوريا ودول الجوار العربية وغير العربية ( إيران _ إسراءيل _ تُركيا ) فلاشك أن الاستعمار لا ولَنْ يهدأ له بال إلا إذا وجَد المنطقة العربية قد أصبَحت دويلاتٍ صغيرة هزيلة تتناحرُ فيما بينها ولا تقوى إحداها على الدفاع عن أراضيها ومصالحها إذا ما أراد إحتلالها عسكرياً أو استعمارِها إقتصادياً . والأهم من ذلك أن يضْمَن عدم قدرتها عسكرياً _ حتى إذا اتحدت يوماً _ على مواجهةِ دولة الكيان الصه يوني ربيبته المُدللَّة في الشَرق .
ولم يَعُد الغَرب المُستَعمِر يعملُ مستتراً أو متخفياً بل أصبح كما يُقال ( يلعب على المكشوف ) ومن ألاعيبهِ المكشوفة استقطاب وتمويل جماعاتٍ وفصائل
طامحة في تغيير الأنظمة التي تحكُمُها . كما يداومُ على صناعة عملاء له في دول المنطقة لتُصبِح الجماعات وعُملاء الداخل هم أدواته في تنفيذ مخططه الخسيس . والغريب أن هؤلاء العملاء تلتقي مصالحهم في التَخلُّص من الأنظمة الحاكمة لكنها تتناحر وربما يقتل بعضها البعض للوصول والانفراد بالسلطة