ايمان نعمه تكتب… ” لوركا الاندلسي..”

كان انيس منصور يقول اقرأ ما تستمتع بقراءته ليست المطالعة الا متعة . وجدت نفسي هذا المساء اهرب الى صفحات بعيدة عن الصحف والاخبار التي لم نعد نجد فيها استراحة نقيم فيها ولو لدقائق معدودة . كل الاخبار اصبحت متعبة لنا جميعا بكل انواعها .. ومن دون ايّ تحديد . نعيش في زمن يتقن كل شيء الا ارضاءنا . كان العرب قديما اصحاب الكلمة وكانوا انبياء للشعر .. اللغة العربية جميلة ومعبرة لمن يتعمق فيها واجمل ما فيها هو صعوبتها وكثرة مفرداتها . انه احساس رائع وامتياز ايضا ان تتقن لغة صعبة بين اللغات الاخرى .. وكلما تعمقت في دراستها كلما اكتشفت فيها مزايا جديدة وكأنها بحر لا ينضب بل انها كذلك . من قال ان اللغة العربية تخلو من الايقاع هو جاهل حقا بها .. كل ما في الامر ان اخراج الايقاع منها يحتاج الى الاحساس وليس الا الاتقان وحده ، وهذا هو ما يميزها وهو ايضا من خصائصها الجمالية الرائعة .. واصدق مثال على هذا هو القافية في الشعر العربي وبحوره والتي ليست الا نغمة موسيقية تميز بها الشعر العربي القديم والحديث معا . يكفي ان نعرف ان المفردات العربية في اللغة الاسبانية حسب ما اشارت اليه الدراسات ، تقدر بثلاثين في المائة ( 30% ) من محتويات القاموس الاسباني .. وحسب العالم اللغوي الاسباني – رفائيل لابيسا – في كتابه < تاريخ اللغة الاسبانية > فان العامل العربي في تكوينها كبير الاهمية حتى ان كثيرا من المفردات فيها تبتديء بأل التعريف وهذا دليل على اصلها العربي .

عرف عن الشاعر الاسباني المعروف – فيدريكو غاسيا لوركا – الذي ولد في غرناطة عام ( 1898 ) انه كان يتغنى بالحضارة العربية الاسلامية ويفتخر بالاندلس وانه اندلسي . . حتى انه ادعى اثناء اقامته في مدينة نيويورك الامريكية لمدة عام انه من عائلة عربية . وقد ورد في اشعاره مفردات عربية كثيرة مثل الغزل والعنبر .. وحتى في عناوين قصائده ودواوين اشعاره مثل ( ديوان التمور ) .. اذ كان معجبا بالادب والشعر العربي . ها هو لوركا ينادي حبيبته في الليل متأثرا باسلوب شعراء الاندلس العرب الذين تغنوا بالليل ولقاء الحبيبة فيه في قصائدهم وموشحاتهم .. الليل يرفض ان يأتي كي تستطيعين المجيء ولا استطيع القدوم .. لكن سوف آتي .. رغم ان عقرب الشمس ينهش وسط صدغي .. لكن سوف تجيئين .. بلسانٍ ألهبته قطرات المطر المالح .. النهار يرفض ان يأتي .. كي لا تستطيعين المجيء .. ولا استطيع القدوم .. لكن سوف آتي .. رامياً للضفادع قرنفلي الممضوغ .. لكن سوف تجيئين عبر مجاري الظلمة الطينية .. الليل والنهار يرفضان القدوم كي اموت من اجلك .. وتموتين من اجلي . اعادتني اشعار لوركا الى هذا الموشح الذي تغنت به السيدة فيروز للشاعر الاندلسي لسان الدين ابن الخطيب ( 1313 – 1374 ).. جاءت معذبتي في غيهبِ الغسقِ .. كأنها الكوكب الدريّ في الافق . . فقلتُ نوّرتني يا خيرَ زائرةٍ . . اما خشيتي منَ الحراسِ في الطرقِ . . فجاوبتني ودمعُ العينِ يسبقها. . من يركب البحرَ لا يخشى منَ الغرقِ .

اليوم تعاني اللغة العربية من ازمة كبيرة بسبب التقليد الاعمى لكل ما هو قادم من الغرب والابتعاد عن الجذور ، هذا التقليد الذي سوف نخسر بسببه الاساس الذي بنيت عليه الحضارة العربية قديما كحضارة الاندلس التي كانت منبعا علميا وثقافيا ومعماريا مميزا شهد له التاريخ . ومع ضياع اللغة العربية وتشتتها شيئا فشيئا اصبح الشعر العربي الاصيل مهددا ايضا بالتلاشي والضياع . محمود درويش شاعر الوطن وشاعر المطر كما احب ان اسميه ، كتب قصيدة رثاء في
الشاعر الاندلسي الاسباني تحت اسم ( لوركا ) يقول فيها ..

عفوَ زهر الدمِ يا لوركا وشمسٌ في يديك

وصليبٌ يرتدي نارَ قصيدة

ٍهكذا الشاعرُ زلزالٌ واعصارُ مياه

ورياحٌ إن زأر

يهمسُ الشارعُ للشارعِ قد مرّت خطاهُ

فتطاير يا حجر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *