سئلت مؤخرا لماذا جريدة مصرية ، واجبت من دون تردد : من غير ليه. هناك دائما مكانا نحط فيه ونرتاح الى سكنه دون ان نعرف السبب .. كم نحن بحاجة الى مساحات تريحنا في زمن اصبحت فيه المساحات ضيقة ومتعبة .. ليست الكتابة الا تعبيرا عن وجود وعن احاسيس .. ان خلت الكتابة من الاحساس اصبحت مجرد كلمات لا تخترق العقل ولا القلوب . ومن غير ليه .. لسنا نحن من يختار المساحات بل هي المساحات التي تختارنا . ومن غير ليه .. تحط ارواحنا في مساحات يختارها لنا القدر .. من غير ليه نفرح لكلمة بسيطة .. ومن غير ليه نتألم كثيرا لسبب قد لا يستحق منا كل هذا الالم .. لسنا الا ارواحا تنتقل بين مساحات وتنقلنا معها . علمتني الحياة ان لا ازرع كلماتي في مساحات لا اشعر بها ، لان كلماتنا ليست مجرد احرف يرسمها قلم ، لكنها جزء من ما نحن عليه .. بل انها نحن بكل المعاني والتفاصيل . قد يساء استخدامها وقد يساء تفسيرها .. واحيانا اخرى قد تهدى لمن لا يستحقها .. ما نكتبه يصبح ملكا لغيرنا ونفقد حق استعادته او حتى التعديل عليه . ومن غير ليه .. يرفض قلمي ان يخطّ حرفا ان لم يكن نابعا من القلب اولا .. فالقلب هو مصدر الاحساس < افتراضيا > وبدون الاحساس باي قضية مهما كان نوعها ومهما كانت عقلانية ومنطقية ، يصعب التعبير عنها بصدق واخلاص .
لماذا السيسي سألوني .. قلت لست خبيرة في السياسة ولم ادعي يوما انني قد فهمتها .. لكنني ومن وجهة نظري الخاصة ارى ان الخيار الامني هو الاكثر اهمية والذي يفرض نفسه على الظروف الحالية التي تمر بها ليس مصر وحدها لكن كل دول العالم العربي . مصر اليوم بحاجة الى الامن اولا والا فقدت اقتصادها وفعالية مؤسساتها . انه عصر الزعماء يعيد نفسه من جديد والذي يفرض خطة للبقاء والمضي بالقوة ان لزم الامر .. والبقاء صراع صعب تتخلله تضحيات وقرارات صعبة وكبيرة ، لكنه يظل الغاية الكبرى . الذي خدم حزبه واجنداته ، والذي اهتم بأوراقه واستفرد بقراراته والذي انسحب ومن غير ليه ، بعد ان سارت جموع شباب مصر من خلفه .. تخلى عنهم وتركهم يتخبطون بين الامل الضائع والشعور بالخيبة . لم يدركوا ان بلد التسعون مليونا من البشر همه الاول هو رغيف العيش وليس الخطابات ولا الشعارات والوعود التي لم تتحقق ولا حتى بعضا منها ، وتركوا الساحة من خلفهم وقد غطتها دماء الحقد والكراهية والتعصب والطائفية .. وجميعها عوامل تدمير لكل ما هو ملكا للشعب . من غير ليه . . المصري اليوم بحاجة للشعور بالامان اولا كي يذهب الى عمله ويمارس حياته اليومية من دون خوف ويستعيد قدراته على الانجاز والانتاج . كتبت في مقالة لي قبل اشهر وكنت قد توقعت التغيير على الساحة المصرية .. ” من يستعرض المصريون وثقافتهم وارادتهم القوية يعرف ان مصر بأبنائها احفاد الفراعنة صناع الحضارة تحيا وتستمر . “
انه عبد الوهاب الذي يأخذني معه الى زمنه الجميل وانا استمع الان لاغنيته من غير ليه .. تذكرت ما قاله عنه انيس منصور عندما سئل في حديث تلفزيوني عن الاسم الذي يختاره للزمن الذي لمعت فيه نجوم الفكر والادب والسياسة والصحافة والفن في مصر ، فاجاب ” انه زمن عبد الوهاب ” . مصر القادمة ستعود الى زمنها الجميل رغم كل الصعوبات والتحديات .. عندما كانت الكلمة لا تكتب ولا تذاع الا بعد ان تمر من النيل وترتوي بعشقه وجماله .. والنغمة لا تكون الا اذا مرت بشاطيء الاسكندرية وقبلت رماله وحضنت نجوم السماء من فوقه .. ومالت النجمة عالقمر فوق القنال .. ستعود مصر ليس من اجل ابنائها وحدهم فقط بل من اجل الوطن العربي كله الذي ” يحلف بسماها وبترابها ” . ومن غير ليه ” بحبك يا مصر ” .