ضرورة الإسراع فى تدويل قضية سد النهضة الأثيوبى وإتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ضد أثيوبيا والتى تتضمن اللجوء إلى محكمة العدل الدولية ومجلس الأمن واستخدام وسائل الإعلام الدولية المختلفة للدفاع عن حقنا فى مياه نهر النيل أمام العالم وخلق رأى عام دولى مؤيد لمصر للضغط على أثيوبيا حتى الوصول إلى تسوية مناسبة لجميع الأطراف.
جاء هذا فى الندوة التى عقدت بجامعة أسيوط تحت عنوان ” سد النهضة الأثيوبى .. ما له وما عليه” وذلك تحت رعاية الدكتور محمد عبد السميع عيد رئيس الجامعة وبحضور الدكتور عادل ريان نائبه لشئون التعليم والطلاب ، والدكتور محمد عبد السلام عاشور أستاذ المنشآت المائية وهندسة الرى بكلية الهندسة ورئيس الندوة ، والدكتور محمد نصر علام وزير الرى الأسبق ومن جامعة القاهرة الدكتور نادر نور الدين أستاذ الوارد المائية والأراضى بكلية الزراعة ، والدكتور هشام بخيت أستاذ الموارد المائية ، والدكتور شوقى محمد عبد العال وكيل كلية الإقتصاد والعلوم السياسية والدكتور عصام زناتى أستاذ القانون الدولى بجامعة أسيوط وقد أدار الندوة الكاتب الصحفى والإعلامى حمدى رزق.
وقد أكد الدكتور عادل ريان أن هذه الندوة تأتى فى إطار الدور التنويرى لجامعة أسيوط واهتمامها بقضايا الوطن وهمومه وما يواجهه من تحديات على كافة الأصعدة والتى تأتى فى مقدمتها ما تواجهه مصر من خطر يهدد نيلها العظيم وينذر بشبح العطش والجوع خلال العقود القادمة إذا لم نجد حلول حاسمة للدفاع عن حقنا التاريخى فى حصتنا من المياه والتى أقرتها الإتفاقيات والقوانين الدولية منذ القرون الماضية .
ومن جانبه أكد الدكتور عبد السلام عاشور على القيمة التاريخية للنهر منذ العصر الفرعونى والذى أقاموا على ضفافه حضاراتهم التى أذهلت العالم منذ أكثر من سبعة الآف عام دونما أدوات سوى النيل ، والآن يواجه المصريون هجمة شرسة ومكائد دولية لسلب حقنا فى الحصة العادلة من مياهه ، وقد ناشد عاشور المشاركين بإلقاء الضوء على الأبعاد الحقيقية لتلك المشكلة وكيفية التعامل معها والحلول الممكنة لها والسيناريوهات البديلة فى حالة تنفيذه.
وخلال إدارته للندوة أعلن الإعلامى المتميز حمدى رزق عن أن هناك أيادى دولية كثيرة تريد أن تسمم النهر وأن أثيوبيا هى المفعول به فى مخطط خارجى ضخم ومصر دولة عظيمة لها تاريخها وحضارتها لا يمكن أن تظلم دولة أو تجور على حق شريك لها ، كما وضع رزق خلال الندوة علامات إستفهام عديدة للعلماء والمتخصصين المشاركين حول تاريخ الصراع بين دول حوض النيل على المياه وفكرة بناء السد ، وتساؤلات أيضاً حول مدى تقصير مصر فى دفاعها عن النيل كقضية أمن قومى ، والحلول المطروحة لحل هذه الأزمة.
وحول التداعيات الفنية والزراعية المترتبة على بناء سد النهضة أوضح الدكتور نادر نور الدين أن سد النهضة ليس سداً واحداً بل هو سلسلة من أربع سدود للتحكم فى الحجم الهائل للطمى الذى تحمله مياه النيل والتى تكونت منها الأراضى المصرية ومجموع المياه التى سوف تحجزها تلك السدود هى 200 مليار متر مكعب من نهر لا يزيد تصرفه عن 48 مليار متر مكعب سنوياً مما سوف ينتقص من حصة المياه بمقدار 25 مليار متر مكعب كل عام وهى الكمية الكافية لرى 5 مليون فدان من أراضينا المصرية وذلك لمدة ثلاث سنوات وهى فترة ملء الخزان ثم بعد ذلك تقل كمية المياه القادمة إلى مصر ليس بأقل من 12 مليار متر مكعب سنوياً وهى التى تقوم برى 2.5 مليون فدان مما سوف يؤثر على مساحة الرقعة الزراعية المصرية .
وقد حذر نور الدين فى حالة الإنتهاء من آثار وخيمة تتمثل فى بناء سد النهضة من تقليل المساحات الزراعية ذات الإحتياجات المائية المرتفعة فى مصر مثل القصب وبالتالى زيادة فجوة إنتاج السكر وتقليل مساحات زرعة الأرز ، كما ينتج كذلك تملح مساحات كبيرة من الأراضى الزراعية المصرية بسبب نقص المياه وأيضاً نقص المياه المخصصة لغسيل تراكمات الأملاح من الأراضى الزراعية ، وهو ما سوف يسبب حتماً إرتفاع معدلات تصحر الأراضى الزراعية وزيادة تركيز التلوث فى النهر والترع والمصارف بسبب نقص التدفقات المائية مما ينتج عنه زيادة الفجوة الغذائية المصرية وارتفاعها من 55% وهى النسبة الحالية إلى 75% من إجمالى احتياجاتنا من الغذاء وكذلك تراجع معدلات الدخل القومى بسبب نقص الناتج الزراعى وتراجع معدلات التنمية فى الريف والعجز عن إستكمال برامج محاربة الفقر وإحتمال إختفاء الأسماك من نهر النيل لفترة قد تمتد خمس سنوات بسبب حجز الطمى وعوالق المياه ، كما حذر كذلك من زحف المياه المالحة للبحر إلى أراضى الدلتا والمياه الجوفية الذى ينتج عنه نقص كميات المياه المتدفقة إلى البحر المتوسط ، وكل هذا سوف يمثل عبء لا يتحمله الإقتصاد المصرى.
وفيما يخص الصراع التاريخى على المياه وقصة بناء السدود فقد أوضح الدكتور نصر علام أن بريطانيا خلال إحتلالها لمصر قد أبرمت عدد من الإتفاقيات والمعاهدات بين دول حوض النيل لرسم الحدود الدولية لدول حوض النيل وتنظيم حصص إستخدام المياه وكان أهم هذه المعاهدات عام 1902 والذى تعهد فيها إمبراطور أثيوبيا بعدم إقامة أى منشآت على بحيرة تانا والنيل الأزرق ونهر السوباط إلا بموافقة بريطانيا والسودان المصرى البريطانى وهناك اتفاقية عام 1929 بين مصر بعد استقلالها وبريطانيا نيابة عن السودان ودول الهضبة الأستوائية والتى تتضمن دول أوغندا وتنزانيا وكينيا والتى تنص على حصتى مصر والسودان من النهر وعدم إقامة أى مشروع على النيل وروافده أو البحيرات إلا بموافقة مصر.
وقد بدأت المحاولات الأثيوبية فى التحكم فى مياه النيل عن طريق بناء السدود من بداية 1958 وبدعم من الولايات المتحدة الأمريكية لإعداد مخطط يشمل عدة سدود كبرى على النيل ويلغى وجود السد العالى وقد أرسلت أمريكا عام 1958 أكبر بعثة علمية لدراسة الآليات اللازمة لبناء السد والتى استمر عملها حتى عام 1963 ، وتكمن أهمية السدود الأثيوبية كجزء من إستراتيجيتها القومية التى شارك فى وضعها العديد من الدول الأوربية لمنح أثيوبيا دور الزعامة فى المنطقة الأفريقية والتحكم فى مياه النيل وذلك فى إطار مخطط إعادة تقسيم المنطقة وتغيير الموازين الإقليمية بما يحقق مصالح أمريكا وإسرائيل وكذلك الدول الغربية.
وقد أوقف السادات فى السبعينات مخطط بناء السد الأثيوبى وقد بدأت أثيوبيا عام 1999 فى إحياء مخططها القديم بالبدء عام 2005 فى بناء سد على نهر عطبرة ، كما قامت عام 2002 بالبدء فى إنشاء نفق تانابليس على النيل الأزرق لتوليد الكهرباء والتى لم تحتج عليهما مصر وعام 2010 دعت دول المنبع للتوقيع المنفرد على اتفاقية عنتيبى لإعادة توزيع مياه النهر بين دول الحوض على حساب الحقوق التاريخية لدولتى المصب.
وقد وضع كل من الدكتور شوقى محمد عبد العال والدكتور عصام الزناتى عدد من الحلول القانونية لحل ذلك الصراع وهو استغلال ما قامت به أثيوبيا من إخلال لضابطين قانونيين وهما عدم الضرر وعدم تلويث البيئة وهو ما لا يحققه بناء السد حيث يقوم بالجور على حصة مصر فى المياه ويسبب تلوث بيئى واضح بالإضافة إلى ضرورة الالتزام بضابطين إجرائيين وهما الإخطار المسبق وموافاة الدولة الأخرى بجميع البيانات الفنية والدراسات المتعلقة ببناء السد وآثاره وهو ما لم تلتزم به أثيوبيا فى قراراها بل وحجبت حق مصر فى المعرفة.
كما يجب أن تسارع مصر فى اللجوء إلى الإجراءات القانونية للحفظ على حقها فى مياه النيل وتدويل القضية بتصعيدها إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن وهما المنوط بهما حفظ السلم والأمن الدوليين وهو ما يهددهما قرار بناء السد ، وذلك إلى جانب إستصدار فتوى من محكمة الدل الدولية لتقييم قضية وهو رأى استشارى فقط ولكن يعزز من موقف مصر أمام الرأى الدولى العام .
وقد أكد المختصين القانونيين على أن مصر على حق وأنها تملك من القرائن ما يسهل من موقفها فى الدفاع فى قضية السد فالإتفاقيات والمواثيق الدولية لا تسقط بالتقادم وتحمى حق مصر التاريخى فى حصتها فى مياه النيل وتحفظ مبدئ مراعاة حقوق الجوار وحسن النية .
ومن جانبه تناول الدكتور هشم بخيت الحلول الاستراتيجية والفنية للمفاوض المصرى حيث يجب التركيز على تحديد الآثار السلبية المترتبة على بناء السد وأن نلزم أثيوبيا بتلافيها ، ويجب أن نقنع المجتمع الدولى بصحة موقفنا وقوة حجتنا وإجبار أثيوبيا على إعادة تقييم السد بالشكل الذى يرضى جميع دول حوض النيل مؤكداً على أن مصر لا تلغى حق أى دولة فى التنمية ولكن لا يكون على حساب الشعب المصرى ويعرض الدولة المصرية لأخطار العطش والجوع والفقر.