منذ اندلعت ثورة يناير وكل شيء في هذا الوطن ( أوفر جدا !! ) .. كل سلوكياتنا وتصرفاتنا وحوارنا وآراءنا واختلافنا وأولوياتنا وأحكامنا علي الأمور وانحيازنا وتطلعاتنا وطرح حلولنا للمشاكل وكرهنا وحبنا وعلاقاتنا مع بعضنا البعض وتعدينا علي الحقوق واغتصابها .. كل هذا كان يتم ومازال بشكل مبالغ فيه ( أوفر جدا ) !!
عندما مارسنا الحرية حولناها إلي فوضي فلم يعد هناك خصوصية للحرية الشخصية وصار الحديث عن الحرية المسئولة التي لا تتجاوز حرية الآخر هو نوع من التخلف والردة عن مكتيسبات الثورة وخيانة لأهدافها , وعندما مارسنا الديمقراطية حولناها إلي ديكاتورية وفاشية قميئة فلا قبول للآخر ولا إنصات لرأي الآخر ولا تنازل في إطار الحوار ولا تراجع عن الرأي مهما كانت هناك آراء أخري , وعندما مارسنا الانضباط حولناه إلي انفلات في الشارع والميدان والمدرسة والجامعة ومكان العمل تحت شعار الحرية باعتبارها أهم منجزات الثورة ومكاسبها وصارت البلطجة عنوان والبلطجي رمز والقوة هي القانون فتسيد المشهد ( قانون القوة ) وغابت عن المشهد ( قوة القانون ) !
لم يكن يجرؤ أحد علي مناقشة أحد من هؤلاء الذين أمموا الثورة واحتكروها لأنفسهم فصاروا منها وصارت منهم فانفلتت ألسنتهم تقول ما تشاء في أي وقت تشاء وعلي من تشاء , وإذا حدث وقال البعض شيئا من نقد لهم علقوهم علي المشانق في الميادين وجرسوهم علي الفضائيات التي كانت تلهث وراءهم من مقدمي برامج ظهرت علي وجوههم كل ألوان الطيف وتلونوا كما تتلون الحرباء وكما يفعل مهرج السيرك .. لأن كل شيء كان أكثر من اللازم ( أوفر جدا ) سارت الحياة علي هذا النهج وتحولت إلي عادة كما تحول الكذب عند الإخوان من عادة إلي عبادة مستغلين تلك الحالة التي يعيشها الشعب بعد ثورة سيكتب عنها التاريخ يوما ما يجب كتابته بعيدا عن رؤية المنتصر والمهزوم فيها , وسيكتشف الأحفاد حين يقرؤون الحقيقة تلك الخديعة الكبرى التي وقع فيها الآباء بعضهم بقصد والبعض الآخر بلا قصد !!
يستمر المسلسل ونصل معه إلي ( الماستر سين ) أو المشهد الرئيس في الرواية وهو انتخابات الرئاسة فنجد أنفسنا أمام مرشح طلب منه الشعب نزول الانتخابات ليكون رئيسا للجمهورية – في هذا الوقت العصيب الذي يواجه فيه الوطن تحديات غير مسبوقة في تاريخه المعاصر من إرهاب محلي وإقليمي ودولي ومن مخطط كبير لتقسيمه أو تركيع إرادته الوطنية – بشكل غير مسبوق لالتفاف إرادة شعبية بمثل هذه الكثافة حول مرشح , ونجد أنفسنا أمام مرشح آخر خاض سباق الرئاسة السابق ولم يحالفه الحظ وهو يحظي ببعض الجماهيرية التي تجعله قادرا علي مواصلة السباق وتحقيق نسبة أصوات لابأس بها اعتمادا علي تجربته السابقة .. وفي تقديري أن هذان المرشحين هما من سيكملان السباق حتى النهاية فالأول له شعبية كاسحة طلبت منه نزول السباق والثاني نزل السباق بخلفيته السابقة ودعم أنصار له ولم يقدم أي منهما أوراق ترشحه حتى الآن ومع ذلك الحملات سواء الرسمية أو غير الرسمية ( مأفورة الدنيا ) بلا مبرر ولا تعبر عن اللحظة التاريخية التي تعيشها مصر فنجد التلاسن والتلميحات والإسقاطات التي تسيء للعملية الانتخابية أكثر مما تسيء للأشخاص فمن يسب ومن يخرج لسانه ثم يعتذر ومن يردد مصطلحات تثير الفتنة وتزيد الانقسام ومن يتحدث عن مرشحه الذي لايشق له غبار ولا تجف له مياه ولا تنطفئ له نار ومن يتحدث عن مرشح قاوم الفساد طوال 40 سنه وهو بذلك يصبح رئيس الضرورة , ومن يتحدث عن مرشح يملك عصا موسي ومن يتحدث عن خلفية مدنية وأخري عسكرية ويترك الأهم كيف نواجه مشاكل الوطن وكيف يعود قويا عفيا ناهضا ..!!
المطلوب 25 ألف توكيل أو إقرار للمرشح الرئاسي ومع ذلك السباق مستمر والمعركة دائرة رغم أن هذه الإقرارات لن تدخل في حساب أصوات الصندوق.. كل شيء أوفر جدا حتى ولو لم نعترف بذلك , مازلنا نحبوفي ( كي جي وان ) ديمقراطية !