إذا سلمنا بأن عصرنا هذا بعد ثورتى يناير و يونيو , هو عصر التحول , فمن حقنا أن نعيد طرح السؤال: تحول
من ماذا وإلي ماذا؟ والجواب هو: من حضارة اللفظ إلي حضارة الأداء, أي
الانتقال من ثقافة الكلمة إلي ثقافة العلم المؤدي إلي عمل, والعمل هذا
لم يعد يترك علي إطلاقه, وإنما هو عمل محدد الخصائص, فالامة المعاصرة
هي التي يكون عملها في دنيا الصناعة بمعناها الآلي الحديث, هذا هو طابع
التحول التقدمي, الصناعة القائمة علي علوم وعلي تقنيات لا القائمة علي
خبرة العامل الذي مهر في مهنته أو نقل عن غيره دون فهم أو تطوير.. وان
كان التاريخ قد دون أن قتل قابيل لأخيه هابيل ـ كما قيل ـ رمز علي الزارع
قتل الراعي, في مرحلة الحضارة الزراعية, فنحن اليوم نريد من ينهض
ليقتل قابيل الزراعة حتي يخلي المكان لمرحلة ثالثة هي مرحلة الصناعة
الآلية, فالتقدم أينما حدث في عالمنا المعاصر خطوطه محتومة وهي: علوم
فتصنيع فتهذيب للتقنيات يترك للآلة ان تسير الآلة حتي ان كانت زراعة في
زراعة تقوم عليه الالات, إلا أني أري ان هذه الحتمية في هذا التطور كما
أشار فلاسفة العصر في كتاباتهم أوائل القرن الماضي أمر فيه كثير من
التشكيك فهو في حسبانه ان التحول امر محتوم اراده الناس أم لم يريدوه,
والصحيح كما أراه في توضيح له ما يصوغه من ضآلة علمي بأطراف الموضوع
وتفصيلاته, هو أن التحول مرهون بأن يختاره الناس لانفسهم ويريدوه
ليعملوا علي حدوثه ويكون لهم قائد يدفعهم الى الامام لا الى الخلف يعمل مثلهم و اكثر ويضاعف من اخلاصة لمصر ويترفع عن كل الاهواء الشخصية.