برهنت النزاعات الطائفية في مصر التي تشهد مراحل انتقالية في شكل نظامها السياسي وايضا انتفاضات طويلة النفس بأنها لن تتمكن من صرف نظر الشعب عن الديمقراطية ولكنها قد تؤخر ذلك لفترة زمنية معينة تنتهي مع نهاية كل نظام يقصي الطرف الآخر في المجتمع ويهمش الفئات الأخرى من الطبقات الكادحة والشباب وصولاً إلى النساء.
إن استخدام النزاع الطائفي كأسلوب في التهرب عن حل المشاكل العالقة داخل المجتمع ما هو إلا وسيلة «سهلة الهضم» للتشويش على قضية داخلية يراد تجاهلها.
وهناك حالات يكون الوضع فيها جامداً لا يتغير لفترة طويلة ويرى أحد المحللين السياسيين بأن «الحل لا يكمن في نزاع طائفي ولكنها تعمق ورطة الجميع وكل الأطراف. فهي لن تحرر النخبة الحاكمة من مواجهة الاستحقاقات القادمة ولا توفر عليها الاعتراف بحقوق هذاالمجتمع والتزاماته تجاهه، ومن باب أولى أن تمكنه من استعادة السيطرة عليها». ونوه إلى أنها «لن تعطي للمعارضة أي دفع جديد يساعدها على التغلب على الحصار المضروب من حولها. أما بالنسبة للمجتمع، فهي تقود حتماً إلى الدمار العام بقدر ما تهدد وجود الدولة وتبدد موارد البلاد وتعرضها للتهديدات الخارجية».
هناك وجهة نظر تقول إن المستفيد الوحيد من هذا النزاع هي شبكات المصالح الفاسدة والأنظمة المفلسة من ناحية القيم، والتي لا تستطيع أن تنمو وتزدهر وتتحول إلى زعامات تاريخية إلا في مناخ الأزمات. وأصحابها الذين يحتقرون بالتعريف فكرة وجود التزامات جماعية وقيم تضامن إنسانية وحقوق سياسية وحريات فكرية ويفتقرون إلى أي شعور بالمسئولية هم المعنيون الوحيدون بتغذيتها وتفجيرها.
بيد أن المجتمع نفسه ليس محصن ضد الاستخدامات الطائفية أيضاً، وهناك من يجد في دغدغة الطائفية مشاعر العديد من قطاعات الرأي العام التي تعيش حياة هشة وغير مستقرة بأنها تكاد أن تنهار بين حصار النظم الحاكمة التي تخشى انفجارها فتفرض عليها حكماً مطلقاً يشلها عن التفكير والحركة، وحصار الرأي العام الدولي الذي يوحد بينها والإرهاب والذي لا يكف عن استفزازها ويضعها موضع الشك كما نلمسه في وسائل إعلام وصحف الأنظمة الشمولية ذات الصوت الواحد والإعلام الواحد.
كما أن الظروف الصعبة التي تعيشها أغلبية المواطنين وغياب أفق الحلول الجماعية والسياسية أي الوطنية ما هي إلا تربة خصبة لنمو المشاعر السلبية عند الأفراد والجماعات التي تبدأ معها فكرة التخلص من الآخر كما يرى غليون إما بتحييده أو إقصائه أو القضاء عليه والسطو على حقوقه وموارده. فالنزاع الطائفي هو شكل من أشكال حروب التصفية.
ان البعض يدفع مجتمعنا الذى التحق بالصحوة العربية الديمقراطية للانجراف نحو حالة من الاحتراب وبعث اليأس من امكانية الإصلاح و «غياب الأمل بالوصول إلى نهاية النفق بالطرق الطبيعية وفي وقت معقول، كل ذلك يشكل مصادر متضافرة قوية لتوليد المنازعات في كل المجتمعات والأزمان. وبقدر ما يصبح القتال أسلوب الإنتاج الرئيسي للثروة والسلطة والجاه تبرز الحاجة إلى بناء العصبية، أي روح الطائفية التي تتغذى من أوهام القربى الدينية أو الثقافية، وتصبح بمثابة الملحمة التي تصهر الأفراد».
إن مثل هذه القراءة ليست بعيدة عن الواقع المعاش في مجتمعاتنا العربية، وخاصة أن النّظم السياسيّة مازالت ترى في النزاعات الطائفية طريقاً للتخلص من الاستجابة للمطالب واستمراراً لدكتاتورياتها وحرمان الشعوب من حقوقها السياسية والمدنية. أن التحريض على النّزاعات الطائفيّة يُهدف منه منع قيام دولة المواطَنَة المتساوية أو الدّولة التي تتجاوز الرّوابط القبلية والعرقية والمذهبية الجماعية إلى رابطة مدنية تعاقدية محكومة بدستور يتأسس على احترام كرامة الإنسان وحقه في المشاركة السياسية الحقة.