تعتبر الزراعة أحد القطاعات الحيوية التي لا يمكن الاستغناء عنها؛ لأنها مكون رئيسي للأمن الاستراتيجي، ولذا تسعى الدول لتحسين البيئة الزراعية ولاسيما فيما يتعلق بتعزيز والحفاظ على المساحات الخضراء وصولاً إلى الأمن الغذائي.
إن أي تخطيط عمراني لا يمكن أن ينفرد دون تخطيط للمساحات الخضراء وبقعها في كل منطقة وفي كل مشروع يقام؛ فهي جزء من بيئة الإنسان وباقي مكونات الطبيعة التي لا يمكن أن نفرط بها بجدران أسمنتية أو مشاريع تلغي سمة البيئة الخضراء من أسلوب حياتنا في الوقت الراهن.
ونحن بدورنا نستغرب أن «الزراعة» اليوم تعيش حالة ضياع في مصر الأولى أنها جردت من كل أدواتها مع الزحف العمراني الذي قضى على كثير من المزارع الخضراء والعيون في مناطق كثيرة من أرجاء مصر إما بحجة شق شارع أو إقامة مشروع أو قطع النخل والأشجار على النخل واقتلاعه من جذعه لأجل أن تباع أرض على هيئة قطع سكنية إلى غيرها من الممارسة المنهكة والمعذبة للبيئة.
أما الوضع الثاني فهو أن «الزراعة» تعيش بلا وزارة ولا يدري عاملوها وموظفوها عملهم منذ إعلان التشكيل الوزاري الجديد ولعلّ هذا يفسر أحد الردود علق به أحد موظفيها على كلامى معه أمس الأول الذي تكلم عن أهمية الحفاظ على الحدائق النباتية من ناحية النظافة. فقد قال لى قائلاً: «سيدى الفاضل، أنا من وزارة الزراعة لاحظ كيف تغيرت النظرة للزراعة لتعرف إلى أي منحدر صارت، في البداية كانت الزراعة هي أم الحضارة وأساس الحياة والتي جعلت القوى الإقليمية دائماً تطمع في السيطرة على مصر، ثم صارت الزراعة مصدر الغذاء الرئيسي الذي حفظ مصر من المجاعات».
وأضاف ثم صارت الزراعة نوعاً من الرفاهية لكبار القوم حيث يعمرون المزارع الخاصة بالفيلل وبعض الفواكه، ولكن أكثر المزارع تمت إبادتها لحساب العمران الرمادي وجني الأرباح… ثم تدهورت أكثر حتى نسيها الناس، وبعد شيوع التلوث عاد الناس يفكرون في الزراعة تحت مسمى «البيئة الخضراء»! أرجو أن يتذكر الناس أن الزراعة أم الحضارات».
الزراعة يجب أن تكون حاضرة على مستوى التنظيم الحكومي، وعلى مستوى الاستراتيجية بعيدة المدى، ويجب أن تحتضن، وأن تطور، وأن تصبح مؤشراً ثابتاً لمدى نجاحنا في قطاعات أخرى، فإذا ضيّعنا الزراعة، ، وإذا اندثرت البيئة، فإن كل شيء أيضاً قابل للتضييع والاندثار، ويجب أن لا تكون الزراعة حاضرة في الكتب والتاريخ وغائبة عن الحاضر والمستقبل.