بعد افصاح الادارة المصرية مؤخرا عن تضخم عجز الموازنة العامة للدولة الى حدود غير آمنة, واعلانات الحكومة عن بعض الاجراءات التقشفية تتلتخفيض العجز,
اود ان اوضح ان بعض المفكرين الاقتصاديين يعتمدون فى تقديرهم لأثر رفع الضرائب وضغط الإنفاق العام(كأسلوب للحد من عجز الموازنة) , بأنه الوضع الذى يترجم إلى الواقع المؤثر على تقديرات المواطنين وتفضيلاتهم الاختيارية لنمط حياتهم فقط.
وفى حدود هذا المعنى الضيق ، يكون الوضع الذى يحصل فيه الفرد أو المجموع من جملة النفقات العامة بعد ترشيدها، سواء كانت تفى شكل نقود (إذا كان الدعم نقدياً) أو فى شكل سلع وخدمات (إذا كان الدعم عينياً)، وعلى ما يحصل عليه أيضاً فيما لو استخدم نقوده الخاصة فى نظام اشبة بأن يكون بلا ضرائب وبلا نفقات عامة. أى بمعنى أخرهوالوضع الذى يضمن للفرد أو المجموع الاشباع نفسه الذى يحصل عليه فى نظام غابت عنه السياسة الضريبية والانفاق العام للدولة.
وواضح مما تقدم أن هذا الفكر يعتمد تفى المقام الأول على تفضيلات واختيارات الأفراد وينحاز للطبقات تفوق المتوسطة والغنية فقط, ويسقط تماماً حقوق الطبقات المتوسطة والفقيرة، لأنه يرد جميع الأثار التى تترتب على استخدام الأدوات المالية (من ضرائب وانفاق عام) الى الاشباع والرفاهية الاقتصادية للمجتمع ككل وليس معالجة الاختلالات الهيكلية فى الفوارق بين الطبقات الاجتماعية المتفاوتة, وهو مجحف للطبقات ذات الدخول المحدودة, وتطبيقه لا يهدف الى اصلاح الخلل الهيكلى فى توزيع الدخول بين افراد المجتمع تتمثل الحالة المصرية تويذهب أيضاً هذا المنهج المالى الى بعد اخر وهو تأثر اعلان الأدوات المالية فى هذه التفضيلات (كمثل فرض ضريبة على سوق الأوراق المالية فى مصر وإعفاء ودائع البنوك من الضرائب بشكل عام). فمثلاً اعلانتالممول بالضريبة الجديدة أو اعلانه بالنفقة الجديدة يؤدى بالإضافة الى ما له من أثار توزيعية مؤقتة، الى احداث تعديلات فى تفضيلاته (كالخروج من الاستثمارات فى سوق الأوراق المالية، والسعى وراء الادخار فى البنوك لتفادى الأعباء الاضافية) وهو لايغير من توزيع الدخول الحقيقية شيئا، والمعروف بألاثر المبكر لاعلان الأدوات المالية, وفى احيان اخرى عند تدخل البنك المركزى بتحريك سعر الفائدة او تغيير سعر صرف الجنيه المصرى مقابل العملات واثرة المباشر وغير المباشر على الاسواق, اعمالا لنظرية التفضيلات الاختيارية للمستثمريين والمدخريين والمعروفة بالكفاية الحدية لرأس المال وسعر الفائدةبت وما يترتب عليها من الاثر المبكر ايضا لإعلان الادوات النقدية سلبا او ايجابا. والذى لايقل خطرا على الاقتصاد من سابقة من اعلان استخدام او تطبيق ادوات مالية جديدة.
ولقد كان للفكر الاقتصادى باع طويل فى تحليل ا أثر الاعلان الاستباقى للسياسة الاقتصادية ا بشكل عام والسياسة المالية والنقدية بشكل خاص فيما يخص الدول الأخذة فى النمو مثل مصر ، ونلخصه هنا فى الضرر المترتب مثلا على اعلان الضريبة للمول بأنه الرغبة فى زيادة الاشباع التى يمكن لدافع الضريبة أن يحققها لو لم تفرض عليه الضريبة ، والمعروفة ا بتكلفة الفرصة البديلة ا فى الطلب على اموال الاستثمار ، وفيما لو رد اليه مبلغ اجمالى مساوٍ لمبلغ الضريبة الذى أخذ منه. وتفسير ذلك ، كما ذكرت أنه بمجرد إعلان الممول بالضريبة ( حتى قبل تطبيقها ) يمثل عبئاً عليه لأنه يؤثر فى تفضيلاته واختياراته . وعلى ذلك فإن الخروج على هذا الوضع المالى الجديد يعنى إجبار الأفراد على دفع مبالغ فى شكل ضرائب أو اشكال اخرى ، أو على المساهمة فى النفقات العامة الجارية أو التحويلية أو حتى الاستثمارية بطريقة تختلف عن تلك التى كانوا يفضلونها ( دافعو الضرائب خاصة الأغنياء منهم ) فيما لو تركوا أحرارا فى تصرفاتهم واختياراتهم لتحقيق الاشباع والرفاهية الاقتصادية الذاتية. وهو ما يدفعهم للتحايل على هذا الوضع الجديد للعودة لتحقيق مكاسبهم السابقة , حتى يحافظوا على ارباحهم الرأسمالية كما كانت قبل تطبيق الضرائب الجديدة.
ولا شك أنه رغم صعوبة التعرف على تفضيلات واختيارات الأفراد والمجموع (من الطبقة فوق المتوسطة والغنية) خاصة أنها من طبيعة شخصية ولا تصلح للقياس العلمى الموضوعي. لذلك يأخذ على هذا التحليل أنه يبلغ من التجريد بحيث لا يمكن أن يكون أساساً للقياس الاحصائى فى دولة مثل مصر .
وفى النهاية فعلى صانع القرار الاقتصادى فى مصر الحرص و توخى الحزر فى استخدام سياسة تالاعلان المبكرب لأى سياسة, تبحيث يقتصر فقط الاعلان على الامور المصيرية التى تمس مصالح جموع الشعب وأثرها المباشر والغير مباشر عليهم، وليس الإفراط فى إقامة حوار مجتمعى حول تما يلزم وما لايلزم, وليس فى الاعلان المبكر دائما منفعة عامة، فما عهدنا من حكومة فى دولة عصرية تطلب مباركة رجال المال والأعمال قبل تطبيق ضريبة تمس بطريقة مباشرة او حتى غير مباشرة مصالحهم، هذا عمل من أعمال المجالس التشريعية التى تمثل الشعب كله لا فئة بعينها (ذات مصلحة), على ان تعكس تشريعات تلك المجالس المصلحة العامة المصرية فقط.