لا اعرف ماذا كان شعور درويش وهو يكتب قصيدته الشهيرة لا شيء يعجبني .. فلا شيء يعجبني وهو الشعور الذي يجتاحني الان ، قد يعني انني ما بت افهم شيئا .. وقد يعني ايضا ان كل شيء من حولي اصبح يصدمني .. ويعني ان كل شيء اصبح يحزنني ولا شيء لا شيء يعجبني . اليس هذا هو شعور معظمنا في هذه الايام من هذا الزمن .. ! كنت اجلس في القطار السريع في رحلة مع عائلتي لقضاء الاجازة الصيفية .. واحاول بكل جهدي استبدال صور اجساد اطفال غزة او بالاحرى صور ما تبقى من اجسادهم .. التي سكنت ذاكرتي مثل خنجر اخترق الجسد ليجرحه ويؤلمه بشدة ، كنت احاول استبدالها بالمناظر الطبيعية المتلاحقة عبر نافذة القطار .. وافشل في محاولتي .. واعود لنفس الشعور .. لا شيء يعجبني .
عندما تكون الحرب هي العنوان لا يحق لاي شخص ان يعلق او يبدي برأيه فهناك شعب يذبح ويموت ، وله وحده فقط حق التعليق وحق التقرير .. لكني ما زلت اتساءك ، هل اجساد اطفال غزة هي الوسيلة التي سوف يتم بها تحرير فلسطين المحتلة ، الجواب وبدون الخوض في التفاصيل : لا شيء يعجبني .. ! ولا اعرف لماذا تذكرت ياسر عرفات ، كنت قد بدأت اعجب به بشدة في مراحل سنواته الاخيرة فقد وجدت فيه شخصية قيادية حكيمة ولطالما تساءلت لماذا تم اغتياله وابعاده في الفترة التي وصل فيها الى مرحلة السياسة الدبلوماسية الذكية التي نجح وبقوة في قيادتها وابراز قضية فلسطين للعالم من خلالها بعد ان مرّ وجرب في سنوات حياته كل انواع المقاومة وعايش كل مراحلها . سياسة التطرف والاجرام التي تميز بها نتنياهو جعلت من السلام العادل صورة بعيدة يصعب مشاهدتها . ما احوجنا اليوم الى وحدة عربية تجمع طموحاتنا وآمالنا كما تجمع خيباتنا وآلامنا ، والاهم من هذا كله .. تحفظ لنا كرامتنا وهويتنا .. ولا شيء لا شيء يعجبني
في الذكرى السادسة لرحيل شاعر الارض محمود درويش ، اقف امام حضوره الذي لا يغيب واقول له : درويش انا مثلك لا شيء يعجبني .. لا انحصار المطر .. لا دموع الامهات واليتامى .. لا هوية باتت تبحث عن قلم يكتبها .. لا شيء يعجبني . حاولت الكتابة ولم اجد الا الصمت اعبر فيه عن المي .. فالصمت هو لغة الالم كما هو لغة الحنين .. وكما هو لغة الرفض وكما هو لغة التمرد .. الصمت لغة الكلام الذي ماتت فيه الحروف واصبحت مجرد حبر على ورق .. ولا شيء لا شيء يعجبني .. انا مثلك درويش ابحث عن وطن كي ازرع في حديقته قصيدة .. قد تزهر املا وفرحا بلون الدم احمر بلون الحب احمر .. اليست مفارقة عجيبة درويش ان يكون لون الحب ولون الدم المذبوح هو نفسه الاحمر .. ! لكن قصيدتي اليوم ترفض ان تولد وكلماتها تاهت وحروفها مزقتها الريح .. ولا شيء لا شيء يعجبني
الى اطفال غزة احملوا لهم رسالة .. قولوا لهم : لم يصنع المجد بعد لاجسادكم الصغيرة منفى تسكنه .. فما زال يبحث في صفحاته عن مكان يليق بها وبكم .. مكان المجد يحفظه التاريخ مثل الشمس ان هي غابت .. تغيب كي تعود من جديد .. لكن مكانكم انتم لا غياب فيه . اوقفوا الان هذه الحافلة العربية المسرعة الى المجهول فأنا مثلك درويش اريد ان انزل هنا .. تعبت من السفر .. تعبت من السفر .. ولا شيء يعجبني .