منذ نعومة أظافرى ، وباجتيازى للصفوف المدرسية ؛ عبر مراحل تعليمى المختلفة .. كان لافتاً لإنتباهى جداً ؛ ظاهرة ( إختيار وإنتخاب رئيس الفصل ) .. بدءً من مقومات إختياره ، وطبيعة الكتلة المصوته له ، ومهامه الحقيقية ، وانتهاءً بانعكاس ما آل إليه وضعه الجديد على كونه فرد من أفراد الفصل ، وتداعيات هذا أيضاً على زملائه الآخرين ….
فوجدت من مراقبتى لهذا الإجراء التقليدى فى مدارسنا .. أن الإجماع على إختيار رئيس الفصل يكون بتوفر صفة القيادة ، والرصانة ، وشيئاً ما من التفوق …وهذا – بحد زاته – لا يلفت انتباهى ، أو يدهشنى …فما يستوقفنى – دوماً – هى مرحلة مابعد الإنتخاب ، ومابعد ممارسة المهام ، وإسلوب تمتعه باالإمتيازات ….
فمثلاً .. عندما يُكلف رئيس الفصل بحفظ الهدوء بالفصل ، مراقباً لأى شغب … تجده حاداً على زملائه ؛ الغير محببين إليه ، ولاسيما إذا كانوا لا ينتمون إلى نفس طبقته الإجتماعية ، أو ليسوا مقاربين إلى مستواه الدراسي .. فما إن بدر من هؤلاء الزملاء صوتاً ، أو ضجيجاً ، أو حتى حركة …تجد الرئيس ؛ يهرع إلى تسجيل أسمائهم ؛ تمهيداً لعقابهم … وفى المقابل ؛ تجد هذا الرئيس نفسه ؛ متجاهلاً لأصدقائه ، متسامحاً معهم ، غاضض الطرف عن بعض إختراقهم للنظام ، والهدوء …
أما ردود الفعل من قبل الأسماء التى تم تسجيلها ؛ فستجدها دوماً تنقسم إلى ثلاثة أنواع :
: الأول : يكون عن طريق إستجداء عطف الرئيس ، وطلب الغفران ؛ باءلحاح مستميت ، يعلوه الذل ، والهوان … والثانى :يكون حالة من الإعتراض العنيف ؛ التى قد تصل إلى التلويح بالعقاب، والتنكيل بهذا الرئيس فور خروجه من المدرسة .. والثالث: فهم الفئه الغالبة ..متفرجون … يكونون غالباً فى حالة إما إذعان تام لجميع الأوامر ، أو تجدهم بحالة زهو وفخر ما ؛ لكونهم فعلوا مايحبون فى خلسة من أعين الرئيس ، وأعين من حولهم ..فنجحوا فى عدم إرصادهم ، ومن ثم الإفلات من العقاب بذكاء ، ومهارة … وهذا النوع الثالث ؛ هى الفئة الغالبة ؛ هم المهللون ، المناصرون ؛ لرئيس الفصل ، يتملقون له بكل حالاته ، بشتى الوسائل …
هذا المشهد ظل معى يرافقنى بكافة تفاصيله ؛ عبر مراحل تعليمى المختلفة …ولم يفارقنى أيضاً بجميع أشخاصة ، وأدواره ، وسيناريوهاته المتشابهة ؛ بعد تخرجى من الجامعه .. فى كل مجال عملت به ، وكل مؤسسة شغلت بها منصباً …
كان هناك دوماً رئيساً ؛ يمارس سلطاته بمنظوره الشخصى ، بدون قواعد ، ويتمتع باءمتيازاته ؛ بدون رقيب …. وفى المقابل ؛ كان هناك مرؤسين إما يقدسون دوره ، ويعترضون على من ينازعه سلطاته المطلقه بنقده ، أو تقييمه …. أو مرؤسين حاقدين عليه ؛ من أجل الحقد وفقط ….يجحدون مزاياه ، ويشوهون مناقبه !
تلك أضلاع المثلث الثلاثه : رأس غير كوفء غالباً ، وقاعدة سلبية التفاعل ؛ إما مصفقة منافقة ، او حاقدة ، محاربة !
ولهذا نفتقد إلى التواصل الإدارى الفعال البناء ؛ القائم على العمل الجماعى ؛ الذى تنصهر فيه الكفاءات ، والطاقات ، والمعارف ؛ كى تنتج تكامل إنسانى ، وتخصصى …
لهذا …نحن أقرب فى بيوتنا ، وعملنا ، ومجتمعاتنا إلى بداوة المجتمع القبلي ، والعشائرى ؛ الذى تعلوه العصبيات ، ويفتقر إلى التكنوقراط ….
لهذا …كان منصب ( الرئيس ) محاط دوماً بهالة متطرفة إما من التقديس الضمنى ، أو الإنكار السيكوباتى … وفى كلتا الحالتين ؛ يضيع التواصل المثمر ، ويختفى الإنجاز …..
ولهذا … نربي ابناءنا على إختزال مفهوم التفوق ، والتفرد ، والتميز بفوزنا بلقب … ( الرئيس ) فتترسب فى ازهاننا ، ومخيلاتنا مصطلح التسلط ، والإستئثار بالرأى ، وتزكية النفس ؛ والتى غالباً ماتشبع غرورنا المريض بقدراتنا البدائيه القاصرة … ولهذا .. نحن متجمدون ؛ إنسانياً ، وإجتماعياً وسياسيا…