إن المؤمن العاقل اللبيب هو من يأخذ من الأحداث التي تقع له أو لغيره عبراً وعظات يجني من ورائها الكثير من الخيرات , ويقطف العديد من الثمرات ..والسعيد من اتعظ بغيره والشقي من وعظ به غيره ..
والقُرآنُ الكَرِيمُ حافِلٌ بِذِكْرِ أَحدَاثٍ مَضَتْ، فِي قُرُونٍ خَلَتْ؛ بُغْيَةَ تَوجِيهِ العُقُولِ والأَفكَارِ إِليهَا؛ لِيَأْخُذَ النَّاسُ مِنْهَا عِبْرَةً، تُعِينُهمْ عَلَى إِصلاَحِ حَالِهم ومُستَقبَلِهم ومَآلِهم، ضَمَاناً لِتَحقِيقِ آمَالِهم، فَاللهُ عَزَّ وجَلَّ يَقُصُّ فِي القُرآنِ الكَرِيمِ أَحدَاثاً وقَعَتْ ثُمَّ يُعَقِّبُ عَلَيها بِمِثلِ قَولِه تَعَالى: (( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُولِي الأَبْصَارِ)) (آل عمران /13)، “لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولِي الأَلْبَابِ”(يوسف /111)، وقال تعالي :”إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى”( النازعات /26)،
فَهِيَ دَعْوَةٌ إلهِيَّةٌ وأًوَامِرُ رَبَّانِيَّةٌ لأَخْذِ العِبَرِ مِمَّا مَضَى، فَلَيسَ مَا مَضَى انتَهى شَأْنُهُ وانقَضَى، كَلاَّ إِنَّ مَا حَدَثَ ووَقَعَ ودِيعَةٌ لَدَى التَّارِيخِ يَتَزَوَّدُ الدَّارِسُ لَهُ، المُتَمَعِّنُ لأَسرَارِهِ بِمَا يَنفَعُ ويُفِيدُ، فِي يَومِهِ الجَدِيدِ، وغَدِهِ الذِي لَيسَ عَنْهُ بِبَعيدٍ.
إِنَّ مِنَ الأَحدَاثِ الوَاضِحَةِ الجَلِيَّةِ الَّتِي حَدَثَتْ أَثنَاءَ فَتْرَةِ الرِّسَالَةِ المُحَمَّديَّةِ الإِسرَاءِ والمِعْرَاجِ، والإِسرَاءُ رِحلَةٌ أَرْضِيَّةٌ كَانَتْ بِدَايَتُها المَسْجِدَ الحَرَامَ ونِهَايَتُها المَسْجِدَ الأقصَى، والمِعْرَاجُ رِحلَةٌ سَمَاوِيَّةٌ بَدَأتْ مِنَ المَسْجِدِ الأَقصَى، وانتَهَتْ عِنْدَ مُستَوىً عَالٍ فِي السَمَوَاتِ العُلَى، وإِلى رِحلَةِ الإِسرَاءِ وحِكْمَتِهِ أَشَارَتْ آيَةُ الإِسرَاءِ حَيْثُ قَالَ اللهُ تَعَالى:”سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ”(الإسراء /1). ، وإِلى رِحلَةِ المِعْرَاجِ وثَمَرَتِهِ أَشَارَ مَفْهُومُ آيَاتِ سُورَةِ النَّجْمِ حَيْثُ قَالَ اللهُ تَعَالى:”وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى، عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى، إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى، مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى، لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى)) (النجم /13-18)، لَقَدْ حَمَلَتْ آيَةُ الإِسرَاءِ عِلَّةَ الإِسرَاءِ بِقَولِهِ تَعَالى: ((لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا)) (الإسراء /1)، ثُمَّ وَضَّحَتْ سُورَةُ النَّجْمِ أَنَّ الرَّسُولَ -صلى الله عليه وسلم- رَأَى فِعْلاً بَعْضَ هَذِهِ الآيَاتِ، وذَلِكَ فِي قَولِهِ تَعَالى: ((لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى))
إن مع العسر يسراً:
إِنَّ المُتَمَعِّنَ فِي الفَتْرَةِ الزَّمَنِيَّةِ التِي كَانَ فِيها الإِسرَاءُ والمِعْرَاجُ يُدْرِكُ لِمَاذَا كَانَتْ هَذِهِ المَرَائِي فِي تِلْكَ الفَتْرَةِ، لَقَدْ كَانَ الإِسرَاءُ والمِعْرَاجُ فِي مُنتَصَفِ فَتْرَةِ الرِّسَالَةِ التِي امتَدَّتْ ثَلاَثةً وعِشْرِينَ عَاماً؛ فَجَاءَتْ بِمَثَابِةِ عِلاَجٍ أَزَالَ مَتَاعِبَ المَاضِي وآلامَهُ، وأَعطَى الأَمَلَ لِمُستَقبَلٍ مُشْرِقٍ مُضِيءٍ، وغَدٍ مُتَألِّقٍ وَضِيءٍ، ثُمَّ إِنَّ الأَحدَاثَ التِي وَقَعَتْ لِرَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَبلَ الإِسرَاءِ والمِعْرَاجِ مُبَاشَرَةً هِيَ أَحدَاثٌ آلَمَتْهُ، وضَايَقَتْهُ وأَحزَنَتْهُ؛ فَقَدِ ابتُلِيَ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- فِي حَيَاتِهِ الخَاصَّةِ بِمَوتِ زوجَتِهِ الوَفِيَّةِ خَدِيجَةَ -رَضِي اللهُ عَنْهَا- وهِيَ التِي جَاءَها الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- فِي أَوَلِ سَاعَاتِ الوَحْيِ نُزُولاً فَطَمْأنَتْهُ وآزَرَتْهُ وأَعَانَتْهُ، وسَارَعَتْ فَصَدَّقَتْهُ، وظَلَّتْ طُوَالَ حَيَاتِها تُخَفِّفُ عَنْهُ دَاخِلَ الدَّارِ مَا يَلْقَاهُ خَارِجَهُ مِنْ مَشَقَّةٍ واستِهْزَاءٍ واستِهْتَارٍ؛ فَكَانَ يَجِدُ عِنْدَهَا السَّلْوَى ودِفْءَ المَأْوَى، كَمَا نُكِبَ -صلى الله عليه وسلم- فِي حَيَاتِهِ العَامَّةِ بِمَوتِ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ الذِي كَفَلَهُ واحتَضَنَهُ وهُوَ صَغِيرٌ، ثُمَّ دَافَعَ عَنْهُ حِينَ نُبِّئَ وأُرسِلَ، وكَانَ بَيْنَ مَوتِ خَدِيجَةَ الوَفِيَّةِ وأَبِي طَالِبٍ النَّصِيرِ زَمَنٌ جِدُّ يَسِيرٍ، إِنَّ مَوتَهُمَا مُصَابٌ عَظِيمٌ مُؤْلِمٌ أَحَسَّ الرَّسُولُ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- بِوَقْعِهِ الشَّدِيدِ عَلَى نَفْسِهِ، ولَكِنَّ الأَلَمَ لَمْ يُقْعِدْهُ؛ فَوَاصَلَ المِشْوَارَ، مُمتَطِياً ظَهْرَ اللَّيلِ والنَّهَارِ، بَاحِثاً عَنْ بَلَدٍ آخَرَ يُؤوِيهِ، ويُسَانِدُ دَعوَتَهُ ويَحْمِيهِ، فَلَمْ يَجِدْ مَا كَانَ يَأْمَلُهُ ويَرجُوهُ، حَيْثُ امتَدَّتْ إِليهِ الأَيْدِي بِالإِيذَاءِ وعَبَسَتْ لُهُ الوُجُوهُ؛ فَعَادَ مِنْ حَيْثُ جَاءَ فَقُوبِلَ بِمَزِيدٍ مِنَ الصُّدودِ، وإِيذَاءٍ فَاقَ التَّصَوُّرَ والحُدُودَ، ولَمَّا لَمْ يُحَقِّقْ أَمَلَهُ ومُرَادَهُ؛ عَادَ الأَلَمُ مَرَّةً أُخْرَى يَعْصِرُ فُؤَادَهُ، وبَيْنَما هُوَ عَلَى هَذَا الوَضْعِ والحَالِ إِذْ أَكْرَمَهُ اللهُ تَعَالى لِتَفْرِيجِ الأَزَمَاتِ الشِّدادِ؛ بِرِحلَةِ القُرْبِ والوِدَادِ، فَكَانَتْ رِحلَتَا الإِسرَاءِ والمِعْرَاجِ شَرَفاً ونِعْمَةً لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- ، فَالمِنْحَةُ تَكْمُنُ فِي المِحنَةِ، والعُسْرُ بَعْدَهُ يُسْرٌ، والضِّيقُ بَعْدَهُ سَعَةٌ، والكَرْبُ بَعْدَهُ فَرَجٌ، يَقُولُ اللهُ تَعَالى:((فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً))(8)، ويَقُولُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- لابْنِ عَمِّهِ عبدا لله بنِ عَبَّاسٍ -رَضِي اللهُ عَنْهُمَا-: ((اعلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وأَنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَرْبِ، وأَنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً”
المسجد وأهميته :
إِنَّ بِدَايَةَ الإِسرَاءِ بِالمَسْجِدِ الحَرامِ، وانتِهَاءَهُ بِالمَسْجِدِ الأَقصَى فِيهِ إِشَارَةٌ وَاضِحَةٌ إِلى أَهَمِّيَّةِ هَذيْنِ المَسْجِدَيْنِ خَاصَّةً، وأَهَمِّيَّةِ المَسَاجِدِ عَامَّةً، فَالمَسَاجِدُ بُيوتُ اللهِ فِي الأَرضِ ومَهْبطُ مَلائِكَةِ اللهِ المُقَرَّبِينَ، ومَثْوَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحينَ، فِيهَا يُزَكِّي المُسلِمُ بَدَنَهُ ونَفْسَهُ ورُوحَهُ، فَكَما يَزكُو بَدَنُ المُؤمِنِ لِدُخُولِ المَسْجِدِ بِالتَّطِهيرِ مِنَ الأَحدَاثِ والأَنجَاسِ والأَدرَانِ، فِي النَّفسِ والثَّوبِ والمَكانِ، فَكَذَلِكَ الأَخلاَقُ والأَرواحُ تَزكُو كُلَّمَا غَدَا المُؤمِنُ إِلى المَسْجِدِ أَو رَاحَ، وإِلى أَهَمِّيَّةِ هَذِه الأَمَاكِنِ الطَّاهِرَةِ يُشِيرُ القُرآنُ الكَرِيمُ فَيَقُولُ اللهُ سُبْحَانَهُ وتَعَالى: ((وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً)) (9)،
الصلاة راحة نفسية وعبادة روحية
وفِي لَيلَةِ الإِسرَاءِ والمِعْرَاجِ فَرَضَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ عَلَى رَسُولِهِ -صلى الله عليه وسلم- وعَلَى أُمَّتِهِ الصَّلَوَاتِ الخَمْسَ، فَجَاءَ مَكَانُ وطَرِيقَةُ فَرضِيَّتِها دَلِيلاً وَاضِحاً، وبُرهَاناً سَاطِعاً عَلَى أَهَمِّيَّةِ هَذَهِ العِبَادَةِ، ورِفْعَةِ مَكَانَتِها وسُمُوِّ مَنزِلَتِها، لَقَدْ فُرِضَتْ فِي السَّمَاءِ، وبِدُونِ وَاسِطَةِ وَحْيٍ، ولَمَّا كَانَ الإِسْرَاءُ والمِعْرَاجُ تَسلِيَةً لِرَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وتَسْرِيةً عنه؛ فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ أَرَادَ أَنْ يَعُودَ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- فِي هَذِه اللَّيْلَةِ بِأَعظَمِ عِبَادَةٍ يُستَعانُ بِها عَلَى الكُرُبَاتِ، ويَستَرِيحُ المُؤمِنُ عِنْدَ أَدَائِها مِنْ جَمِيعِ الضَّوائِقِ والأَزَمَاتِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالى: ((وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ)) (10)، ويَقُولُ: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ)) (11)، وكَانَ -عَلَيه الصَّلاةُ والسَّلامُ- إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ فَزِعَ إِلى الصَّلاةِ، ونَادَى بِلالاً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَائِلاً: ((أَرِحْنَا بِها يَا بِلالُ))، وبَقِيَتْ هَذِه ِالعِبَادَةُ مِعْرَاجَاً يَرقَى بِها النَّاسُ إِلى عَالَمِ الطُّهْرِ والصَّفَاءِ، تَزكِيَةً لِلنُّفُوسِ وبُعْداً بِها عَنِ المُنْكَرِ والفَحشَاءِ.
ومن الحكم البالغة في المرائي :
رؤيته للدنيا وللشيطان
السلسلة الصحيحة (1/ 800):
438 – ( صحيح )
[ ما لي وللدنيا ؟ ! ما أنا والدنيا ؟ ! إنما مثلي ومثل الدنيا كراكب ظل تحت شجرة ثم راح وتركها ] . ( حسن صحيح ) وسببه فيما قال ابن مسعود : اضطجع رسول الله صلى الله عليه و سلم على حصير فأثر في جنبه فلما استيقظ ؛ جعلت أمسح جنبه فقلت : يا رسول الله ! ألا آذنتنا حتى نبسط لك على الحصير شيئا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( الحديث )
رؤيته للأنبياء والصلاة بهم
ثم رؤيته للأنبياء في الملأ الأعلى:
قال الإمام أحمد: حدثنا حسن بن موسى، حدثنا حماد بن سلمة، أخبرنا ثابت البُناني، عن أنس بن مالك، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “أتيت بالبراق وهو دابة أبيض فوق الحمار ودون البغل، يضع حافره عند منتهى طرفه، فركبته فسار بي حتى أتيت بيت المقدس، فربطت الدابة بالحلقة التي يربط فيها الأنبياء، ثم دخلت فصليت فيه ركعتين، ثم خرجت. فأتاني جبريل بإناء من خمر وإناء من لبن، فاخترت اللبن. قال جبريل: أصبت الفطرة” قال: “ثم عرج بي إلى السماء الدنيا، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال: جبريل. فقيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: وقد أرسل إليه؟ [قال: قد أرسل إليه] . ففتح لنا، فإذا أنا بآدم، فرحب ودعا لي بخير.
ثم عَرَج بنا إلى السماء الثانية، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال: جبريل. فقيل: ومن معك؟ قال: محمد. فقيل: وقد أرسل إليه؟ قال: قد أرسل إليه. ففتح لنا، فإذا أنا بابني الخالة يحيى وعيسى، فرحبا بي ودعوا لي بخير.
ثم عرج بنا إلى السماء الثالثة، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ فقال: جبريل. فقيل: ومن معك؟ فقال: محمد. فقيل: وقد أرسل إليه؟ قال: قد أرسل إليه. ففتح لنا، فإذا أنا بيوسف، وإذا هو قد أعطي شطر الحسن، فرحب ودعا لي بخير.
ثم عرج بنا إلى السماء الرابعة، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ فقال: جبريل. فقيل: ومن معك؟ قال: محمد. فقيل: قد أرسل إليه؟ قال: قد بعث إليه. ففتح الباب، فإذا أنا بإدريس، فرحب ودعا لي بخير. ثم قال: يقول الله: { وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا } [ مريم: 57 ].
ثم عرج بنا إلى السماء الخامسة، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ فقال: جبريل. فقيل: [و] من معك؟ فقال: محمد. فقيل: قد أرسل إليه؟ قال: قد بعث إليه. ففتح لنا، فإذا أنا بهارون، فرحب ودعا لي بخير.
ثم عرج بنا إلى السماء السادسة، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ فقال: جبريل. قيل ومن معك؟ قال: محمد. فقيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه. ففتح لنا، فإذا أنا بموسى فرحب ودعا لي بخير.
ثم عرج بنا إلى السماء السابعة، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. فقيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه. ففتح لنا، فإذا أنا بإبراهيم ، وإذا هو مستند إلى البيت المعمور، وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون إليه.
فصلاته بالأنبياء ثم مقابلته بهم في الملأ الأعلى دلالة واضحة علي عموم وشمول رسالته وأنها الرسالة الخاتمة ..وأنه جاء للناس كافة بشيراً ونذيراً ومن لم يؤمن به فقد حرم الله عليه الجنة ..فقد جمع الله له بين الدعوة والدولة والرسالة والقيادة والتبليغ والحكم وهو مالم يتحقق لنبي من قبل ..
وقد أُعْطِىَ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما لم يعط رسول سبقه، فجاء الأنبياء برسالتهم إلى قومهم، وبُعِث ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى الناس كافة، وختمت به رسالات السماء فلا نبي بعده، فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون: هلا وُضِعت هذه اللبنة؟، قال: فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين)… (البخاري).
رؤيته للجنة والنار ليلة الإسراء والمعراج لحكم جمة ومواعظ بالغة ..
وفي الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر علي قلب بشر:
ومن المرائي التي رآها الرسول صلي الله عليه وسلم
رأي نهر النيل في الجنة
كما جاء في الحديث الصحيح أن رسول الله، صلى الله عليه وسلّم، وصل ليلة الإسراء إلى سدرة المنتهى، فإذا في أصلها أربعة أنهار: نهران ظاهران، ونهران باطنان. فسأل عنها جبريل عليه السلام. فقال: أما الباطنان، ففي الجنة. وأما الظاهران،، فالنيل والفرات. وفي الحديث أيضا: «النيل والفرات وسيحون وجيجون كل من أنهار الجنة».
وقد ورد ذكر النيل في القرآن الكريم ست مرات حيث يقول الله عز وجل: “فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ } [الأعراف: 136]
ويقول :” أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي” [طه: 39].
ويقول :”« {قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا ” [طه: 97].
ويقول :” وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ” [القصص: 7].
ويقول :” فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ “[القصص: 40].
ويقول:” {فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ ” [الذاريات: 40]
فسمّى النيل يما، وهو البحر، ولا يوجد نهر في الدنيا يسمى بحرا غيره.
والأكثر من ذلك أن الحديث الشريف قد اعتبر النيل نهرا مؤمنا! وفي ذلك إشارة واضحة إلى كثرة منافعه، وعظم فوائده. يقول ابن قتيبة في «غريب الحديث»: «وفي حديثه عليه السلام: نهران مؤمنان، ونهران كافران. أما المؤمنان، فالنيل والفرات. وأما الكافران، فدجلة ونهر بلخ». ويشرح ابن قتيبة هذا الحديث الشريف، بقوله: «إنما جعل النيل والفرات مؤمنين على التشبيه، لأنهما يفيضان على الأرض، ويسقيان الحرث والشجر بلا تعب في ذلك ولا مؤنة. هذا على عكس النهرين الكافرين. فالنيل والفرات في النفع والخير كالمؤمنين، والآخران في قلة الخير والنفع كالكافرين». وروى ابن عبد الحكم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أنه قال: «نيل مصر سيد الأنهار، سخّر اللّه له كل نهر بين المشرق والمغرب …».
والحكمة والعظة والعبرة من ذلك :
كي نعلم جيداً أن شكر النعمة واجب، كما أن ذمّ الجريمة لازم. وإذا كان الله جلّ وعزّ قد خصّنا بكل هذه النعم والفضائل، فينبغي أن نحمده تعالى، ونشكره على رعايته لنا، ورحمته بنا، وفضله علينا. وأوّل مظاهر هذا الشكر، ومبتدأ إشارات الحمد، هو أن نتوقف فورا عن تلويث هذا النهر العظيم، ونرتفع إلى مستوى المسؤولية، فننظفه بدلا من أن نلوثه، ونستمتع بسحره وجماله، بدلا من أن نطعنه ونغتاله، ونقابل نعمه وخيراته بعرفان الجميل والشكر، وليس بالقاذورات والسموم. ذلك أن مصر والنيل ما انفكا يحذّران بشدّة كل معتد أثيم، بأنه لن ينجو من العقاب، ولن يفلت من الحساب، حيث يردّدان بصوت واحد:
«ما رماني رام وراح سليما *** من قديم عناية الله جندي».
فليفق الجهلة، وليتعظ المجرمون.
كما نعي جيداً إن شاء الله تعالى أن نهر النيل سيظل يجرى فى مصر لا يمنعه شئ مهما حاول اليهود عليهم من الله ما يستحقون .
فاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ-، واعلَمَوا أَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْمُرَ حَاضِرَهُ ويُؤمِّنَ مَصِيرَهُ؛ فَعَلَيهِ أَنْ يَدْرُسَ الأَحدَاثَ بِتَمَعُّنٍ ونُورِ بَصِيرَةٍ.
أقُولُ قَوْلي هَذَا وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.