أخبار عاجلة

تراثنا الفوتوغرافى والبصرى..”المسروق.. والمهمل.. والمنسي”

لم يتعرض تراث حضاري في طول العالم وعرضه لسرقة منظمة وممنهجة ومقصودة كما تعرض التراث المصرى على وجه الخصوص والتراث العربي بشكل عامة، حيث طالت عملية السرقة هذه كل شيء تقريباً .. مروراً بسرقة الآثار، وإنتهاءً بسرقة المخطوطات والتراث الفوتوغرافى والبصرى.
ومن يقم بزيارة أي متحف كبير في أي عاصمة غربية بخلاف بعض المتاحف العربية فسيرى بأم عينه كيف نجحوا في تفريغ أرضنا من إرثها الحضاري إلا ما عجزوا عن نقله مثل الأهرامات وأبو الهول.
أنتج مصورو القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين طائفة من أبرز ما أنتج من الصور وأبقاها وأكثرها دقة وصقلا على الإطلاق. ومع بداية القرن (العشرين) أصبحت مصر، ومنطقة الشرق الأدنى عامة مقصد وغاية ومركز جذب أعداد وفيرة من المصورين الرواد. ووثـقت أعمالهم تلك الموضوعات الحية : كالآثار وأعمال الحفائر والعمارة المحلية والمناظر الطبيعية؛ وكذلك الحياة الإجتماعية والأنشطة اليومية لسكان المنطقة الأصليين.
وخلال السنوات العشرين الماضية أخذ بعض المهتمين بالتراث الفوتوغرافى والبصرى وغيرهم من عشاق التصوير الفوتوغرافى بشكل فردى جمع الصور والنيجاتيف الفوتوغرافى الذى تم تصويره فى مصر منذ عام 1850 حيث كانت بداية التصوير الفوتوغرافى فى العالم منذ أن جاء المخترع كوداك لزيارة مصر، وجمعوا الكثير من ملايين الصور الفوتوغرافية والنيجاتيف الزجاجية لأن الأفلام القديمة كانت عبارة عن الواح زجاجية من ما صوره الأجانب بجنسيات مختلفة الذين حضروا إلى مصر بعيون ثقافية مختلفة فى أنحاء البلاد جنوباً وشمالاً ، على غرار ما قام به نابليون بعمل كتاب وصف مصر من خلال جمعه لصور الرحالة المستشرقين.
لكن الوضع هنا يختلف فالكثير من تراثنا الفوتوغرافى والبصرى قد رحل عن أرض الوطن فى صورة روبابيكيا حيث تربح من هذه الثروة الثقافية من يعرف قيمتها، كل ذلك فى ظل غياب مؤسسات الدولة المسئولة عن حماية التراث الثقافى المصرى، غياب الإدارة المنهجية لمؤسساته، وقصور التوثيق والتأمين اللازم لمفرداته، والتدهور المادي والفكري، ونقص الخبرات اللازمة للتتعامل مع التراث. مصر من أبرز الدول المالكة للتراث الحضاري وبفضله إستطاعت أن تحتل مركزًا مرموقًا بين دول العالم، وشباب مصر قادرٍ على إنقاذ تراثه.
ومع كل ساعة تمر، يعلن التراث الثقافي وداعه لأرض مصر، عله يجد من يقدره في متاحف برلين أو لندن، فعشرات السنوات وهو على هذه الحال “تهميش وإهمال وإتجار غير مشروع”، بين حكومة مغيبة ومسؤولين جهلوا قيمة ما يملكون من تراث وكوادر شبابية، فتركوا المغتصبين يفعلوا ما يشاءون بتراثنا .. فلا تندهش عندما تجد مجموعة من الصور والأفلام النادرة التى توثق وترصد مصر عبر أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين قد عرضت فى متاحف الصورة التى بدأت تنتشر فى العالم وبعض البلاد العربية …. والبقية تأتى !!
وفى الأونة الأخيرة أخذ مركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي بالقرية الذكية على عاتقه مهمة تيسير التعامل الآلي (الأوتوماتيكي) مع أرشيفات أكبر عدد ممكن من قدماء المصورين المستشرقين. تضم قاعدة بيانات التراث الفوتوغرافي المصري، تصنيفات من: سلبيات ألواح زجاجية، وصور قديمة مطبوعة على الألبيومين (زلال البيض) ملونة بصبغ السبيدج (السيبيا)، وألواح فضية ملونة بالسيلينيوم؛ قد صمدت لفعل الزمن. كما يضم الأرشيف مجموعة لينرت ولاندروك الفريدة من 1200 صورة عالية الجودة – أبيض وأسود؛ مصنفة موضوعياً، بالإضافة لبعض المجموعات الأخرى التى جمعت من المتاحف المحلية والدولية .. وكذلك من المجموعات الشخصية (الخاصة).
ولكن على من يقع الدور الحقيقى فى حماية التراث الفوتوغرافى والبصرى لمصر فى ظل سرقات خفية تتم للتراث المصرى المادي وغير المادي .. هل على وزارة الأثار أم على وزارة الثقافة متمثلة فى المركز القومى للسينما أم على التليفزيون المصرى الذى سرقت أصول أفلامه الفوتوغرافية والبصريه وبيعت لبعض الدول العربية أم على مركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي بالقرية الذكية؟. لكن الغريب أن تستهدف الدول العربية بعضها البعض للإستيلاء على تراث الآخرين ، لتسجله باسمها ، ثم تتفاخر به بعد ذلك ، رغم أنه يعد تشويها للتاريخ.
لذا أدعو إلى سرعة إنشاء متحف الصورة فى مصر للحفاظ على ما تبقى لدى مصر من تراث فوتوغرافى وكذلك متحف للسينما الذى طالما حلمت أن يكون جزء من المتحف القومى للحضارة المصرية بإعتبار السينما جزء أصيل من الحضارة المصرية من خلال تخصيص قاعات لتحكى تاريخ السينما المصرية منذ بدايتها بقدوم الأخوين لوميير وتقديمهم أول عرض سينمائى في مصر في مقهى زوانى بمدينة الإسكندرية في يناير 1896م، ومن ثم لابد من إتباع المنهج العلمي ووضع إستراتيجيات للحفاظ على التراث الثقافي وتكاتف المؤسسات الحكومية لإستعادة ما تمت سرقته خلال السنوات المنصرمة وإن لم نفعل ذلك فإن عملية النهب المنظم ستتواصل حتى آخر تحفة مصرية في أصغر متحف ومؤسسه، وكذلك إنقاذ التراث المصري من خلال مشروعات تثقفية وإنتاجية وربطهم بالموقع أو المتحف حتى يكونوا خط الدفاع الأول له.
وأرجو أن لا نعتمد على قوانين اليونسكو بشكل مبالغ فيه لأنها مليئة بالثغرات، وبالتالي فهي لا تملك القوة الإلزامية لإرغام الدول على التقيد بنظمها ، بل الأغرب أنها تشجع على التسجيل المشترك للتراث ، وهذا ما يدفع دول ليس لها تاريخ وتراث واضح وملموس ؛ أن تسارع للإستيلاء على تراث الغير ، لإرغام الدول الأخرى للتسجيل المشترك.
يسرى طه .. الأثرى والباحث فى مجال المتاحف وحفظ وصيانة التراث الثقافى .. متحف الحضارة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *