نشر خبر تصدر صدر الصفحة الاولى فى عدد من الصحف ،… لقد هالني الخبر، إذ يتكلم عن مفاوضات ومساومات لإرجاع مبلغ مليون ونصف المليون دولار، وهو مقدار ما ثبت التلاعب به من أموال أحد البنوك . وإذا ما تمت «الصفقة» فستكون طعنة مؤلمة للآمال المعقودة على تحقيق الاصلاح في هذا البلد. فضلاً عمّا سيشكله من تسترٍ متعمدٍ على طبقة «المفسدين» والمتلاعبين و«سراق المال العام»، بما يقوّض أية آمال شعبية في حدوث إصلاحات حقيقية على الأرض بعيداً عن صفحات الصحف.
إذا استمر هذا المسلسل التساومي فاننا نقدم للعالم نموذجاً سيئاً لوطنٍ يخطو على طريق الاصلاح، فهو أكبر مؤشر على اختلال ميزان العدالة في هذا البلد. قبل أيام تم اعتقال عدد من المشاركين فيما سمي بمسيرة «تمرد» ووجهت لهم تهم تصل إلى حد السجن سنوات، بينما يتم الافراج عن متلاعبٍ كبيرٍ بالملايين من المال العام، بل ويجري التساوم معه بهذه الطريقة الكئيبة: «خذ وهات». وكأن ليس هناك جريمة مكتملة الأركان تستوجب العقاب، وكأن ليس هناك شيء اسمه «الحق العام» كما تقول لغة القانون.
إن هذه الطريقة في التعاطي مع قضايا الفساد تعني اننا نقدّم مكافأة إلى المتلاعبين، ونشجّع سواهم على المضي في طريق الرشاوى والسرقات. وأكبر دليل هذه الصفاقة في المطالبة برفع سقف راتبه التقاعدي، بينما لو طبقت العدالة لكان مصيره إلى السجن ومصادرة كل ما طالت يداه من أموال هذا الشعب.
الكارثة ان الخبر يتكلم عن التلاعب بملايين ، والمقدار المتيقن من المبالغ المعترف بالتلاعب بها هو مليون ونصف مليون دولار، الذي يعني بلغة الأرقام، بناء 500 منزلاً على الأقل للمواطنين ذوي الدخل المحدود، إذا احتسبنا كلفة المنزل بـ 25 الف جنية بحسب الوضع الحالي،!
ثم إذا أردنا أن نسترجع الأموال المتلاعب بها، فمن الناحية الاقتصادية، يجب ألا تنسى النيابة العامة احتساب الفوائد عليها، مع احتساب «سنوات التلاعب»، إذا أرادت للعدالة أن تأخذ «نصف» مجراها، إذا قبلنا بأنصاف وأرباع وأعشار الحلول! وإلاّ فالحجة قائمة عليكم، إذ عليكم أن تطلقوا حينها سراح السارق من دون محاكمة، وتوفّروا «التعب» على رجال الشرطة والبحث الجنائي، وترك ملاحقة منفذي عمليات النصب الشرفاء