فى بعض البلاد مثل دول اسكندنيفيا التى تتبع الفكر المالى التقليدي، يقتصر استخدام الأدوات المالية فيها على تحقيق أغراض تنحصر فى الحصول على ايرادات لتغطية النفقات العامة، دون أن تهدف الى سياسة إعادة التوزيع، وذلك اقتناعاً منها فى تلقائية التوازن الاقتصادى، والاجتماعي. وهو ما عرفناه من قبل “بالحياد المالي” أى أن تظل العلاقات النسبية بين مختلف الدخول والثروات كما كانت قبل تدخل الأدوات المالية (أى يعنى هذا بداهة استبعاد دور الأدوات المالية أو عدم تأثيرها فى الدخول والثروات). ولكن هذا ما لا يتيسر عملاً فوجود الأدوات المالية يؤدى بذاته، حتى عن غير قصد، إلى إعادة التوزيع للدخل القومي. حتي فى ظل الحياد المالي، وجود ضرائب ونفقات عامة يؤدى إلى إعادة توزيع الدخول. ومعنى ذلك أن السياسة المالية هناك لا يمكنها، حتى ولو أرادت، أن تكون محايدة فيما يتعلق بتوزيع الدخل القومي. إلا أن هذا الفكر المالى المحايد قد حال عملاً، فى تلك الدول، دون إعادة توزيع الدخول فى مصلحة الفقراء، وقد أدى على العكس، إلى زيادة عدم عدالة توزيع هذا الدخل. وهذا النوع من السياسة مجحف للطبقات الفقيرة إذا كانت تصب سياسة إعادة التوزيع فى مصلحة الطبقات الغنية لتكوين مدخرات لتحويلها إلى استثمارات تدفع التنمية الاقتصادية هناك. وبذلك انتهى الوضع المالى عملاً لا إلى الحياد المالى فحسب، بل إلى ازدياد عدم عدالة توزيع الدخل القومى فى تلك الدول. وهذا ما يجب أن يتوقف فورا فى مصر، وان كان مازال يطبق فى بعض القطاعات.