تأملات :
تمر هذه الأيام الذكرى ال58 للعدوان الثلاثي على مصر عندما تحالفت قوى الارهاب والقهر في العالم آنذاك لكسر إرادة المصريين ولكن وقف الشعب المصري في بورسعيد وتحدى جيوش المملكة المتحدة التي تطلق على نفسها بريطانيا العظمى وفرنسا التي خسرت كثيرا بتحالفها مع بريطانيا وكانت اسرائيل قد مهدت قبل بدء العدوان على بورسعيد بعدوان اخر على سيناء في عملية إنهاك لقوى الجيش المصري
ثم تستفرد انجلترا وفرنسا بمنطقة القناة ويجري احتلالها ردا على قرار جمال عبد الناصر بتاميم قناة السويس والواقع ان الذي خطط للعدوان الثلاثي لم يدرس جيدا الشعب المصري الذي يصبح الكل في واحد وقت الخطر وان سيكولوجية الشخصية المصرية بقدر مساحة السماحة والطيبة لديها تتحول الى عملاق اذا تعرضت عزتها وكرامتها للتهديد وقد تجسدت هذه المعاني عندما جرى احتلال بورسعيد وبورفؤاد وتصور المعتدون أن الامر عليهم هين
بعد ذلك ولكنهم اصطدموا بصخرة الارادة ممثلة في المقاومة الشعبية التي لم ترهبها ابدا مافعله المعتدون بالمدينة من حرق وتدمير وقتل العشرات بل المئات من شبابها لدرجة ان الجثامين كانت تنقل على عربات اليد الى المقابر خارج المدينة لدفنها واستطاعت مجموعات من الجيش المصري الدخول الى المدينة عن طريق بحيرة المنزلة مرتدين ملابس صيادين ومنبوطية وقاموا بتنظيم صفوف المقاومة بينما كانت القوارب الصغيرة بالبحيرة تنقل الاسلحة والذخائر ما ادى الى ارباك قيادة الاحتلال بعدما احرجتها العمليات الفدائية اليومية سواء في بورسعيد او بورفؤاد خاصة اثر عملية خطف الضابط الانجليزي مورهاوس – من العائلة المالكة – من قبل 6 من الفدائيين وترتب على ذلك استدعاء رئيس وزراء بريطانيا انتوني ايدين امام مجلس العموم لتقديم تفسير عما يحدث في بورسعيد
ومع مرور الايام اصبحت هذه المدينة المصرية الصغيرة تمثل بؤرة جحيم لجيش الاحتلال بعدما تنوعت العمليات الفدائية وكان اشهرها مقتل القائد البريطاني ويليامز بقنبلة يدوية حشى بها رغيف خبز احد الفدائيين كما تعرضت معسكرات الجيش الفرنسي في بورفؤاد لهجمات يومية غامضة وبعد فترة اكتشفوا ان منفذها شاب صغير اسمه جواد حسني كتب تحيا مصر بدمائه قبل ان يستشهد حتى كان لابد من انهاء هذه العملية الخاسرة فكان انسحاب قوى البغي والعدوان من بورسعيد في ال 23 ديسمبر 1956 ورغم كل ما حققه شعب مصر يخرج علينا البعض ويعتبرون حرب السويس هزيمة عسكرية وسياسية لجمال عبد الناصر رغم العكس تماما فقد كسبت مصر بعد انتصارها على انجلترا وفرنسا واسرائيل احترام الجماعة الدولية وتمكنت مصر من الخروج من الازمة اكثر قوة واكثر اصرارا على الانتقال من مرحلة التحرر الوطني الى مرحلة التنمية الشاملة وقد شهد شاهد من اهلها سير “انتوني ناتنج ” عضو مجلس العموم البريطاني وشغل حقيبة وزير دولة للشؤون الخارجية حيث ألف كتابين عن ازمة السويس الأول حرب السويس والآخر الدرس لم ينتهي بعد اوضح من خلالهما خطأ التحالف الأنجلوفرنسي على حكومة عبد الناصر الذي كان خصما عنيدا حريصا على وحدة واستقلال بلاده ولم يرضخ للضغوط التي مورست عليه وقدم السير ناتنج استقالته احتجاجا على موقف بلاده من مصر لأن حكومة ايدن أجبرته على الكذب أمام البرلمان ما يعد أكبر فضيحة لحقت ببريطانيا العظمي .
اليوم وبعد 58 عاما تواجه مصر عدوانا من نوع جديد هو الارهاب المؤيد من قوى شريرة خارج الحدود كم نحتاج الى استلهام الارادة التي دحرت العدوان في 56 وكم نحتاج الى الوقوف خلف جيش مصر الباسل لاجتثاث جذوره .