الحضارة فى اللغة مشتقة من الحضر , وهم سكان العمران والمدن ومن هنا تأتي المدنية , فالحضارة فى اللغة تعنى الاقامة فى الحضر وهى ضد البداوة فيقال فلان من اهل البادية وفلان مدنى أي من اهل الحضر ، ومن هنا يجب أن نفهم أن الدين ليس نقيض المدنية والتحضر بل بالعكس الدين أنشأ حضارات ومن هنا يعمد اصحاب النوايا السيئة في وضع الدين نقيضاً للحضارة والمدنية وكأنه نزل لأهل البادية دون الحضر
مفهوم الحضارة الأوسع والأشمل هو الرقي والسمو الخلقي فقد يكون من أهل الحضر من يفتقدوا الي المفهوم الأشمل والأعم للحضارة بما يعني الإنحطاط الخلقي والبهيمية في التعامل والسلوك وإن توفرت العلوم المادية والتكنولوجيا والتي قد يسيؤا استخدامها وتوظيفها
* والسؤال المهم ما هو مقياس تحضر ورقي الأمم ؟
للحضارة جناحان كالطائر لا يستطيع أن يحلق بدونهما أو أي منهما
الجناح الأول العلم والمعرفة وما يستتبعها من وفرة مادية والجناح الثاني الأخلاق
الجناح الأول العلم :
علم بلا أخلاق لا يعني تحضراً حتي وإن تحقق معه الوفرة المادية واتساع دائرة المعارف لفقد الجناح الآخر للحضارة ، أين نحن من الحضارة الحالية وهل يمكن أن يطلق عليها حضارة ؟
العالم الآن يعاني نقصاً شديداً في القيم الروحية والأخلاقية لسيطرة المادة علي الحياة لذلك تفتقد الحضارة الي الجناح الآخر وهي بذلك مهددة بالضياع والإنديثار والزوال ما لم تتدارك الأمر
هل يمكن للإسلام والمسلمين أن يقدموا مشروع اسلامي فكري جديد ويشاركوا في مسيرة الحضارة البشرية الحديثة ويستكملوا الجناح الآخر ويضيفوا علوم جديدة ؟
بالتأكيد إذا فهموا دينهم العظيم فهماً صحيحاً وعلت عندهم القيم الروحية والأخلاقية ، أوسع مجال يمكن أن يضيفوا فيه هو في العلوم الإنسانية والإجتماعية يمكن أن يكون لهم السبق والريادة فيمكنهم أن يقدموا تصور صحيح عن فهم الذات البشرية وقضية العقل وفهم فلسفة اختلاف البشر وفهم كنه الحياااة للعالم بخلاف المشروع القائم الحالي والذي لا يهتم سوي بالشكل والمظهر وأخرج المسلمين من دائرة الحضارة والتأثير إلا التأثير السلبي ، نحن في حاجة الي مشروع فكري جديد ينقي الشوائب ويحل محل الموجود ويسهم في بناء الشخصية المسلمة بطريقة عصرية وحضارية نريد صياغة الوجدان من جديد بما يساعد علي نشر الدين والدعوة لا أن يقوضها نريد عقلية علمية مسلمة تساهم في تطور مسيرة العلم والتحضر كما كان الحال في السابق فلم يكن يعنيهم قضايا الشكل والملبس ولكن كان يعنيهم المضمون لذلك قدموا للحضارة نماذج مشرفة من العقول المسلمة كالخوارزمي وابن النفيث وجابر بن حيان وغيرهم
الجناح الثاني للحضارة هو الأخلاق
والمعني الحقيقي للقيم الأخلاقية هو السمو الروحي والصفاء النفسي ( تزكية النفس ) أي تطهيرها من الدونية والبهيمية والشهوانية
والسؤال المهم ما هو الرافد الحقيقي والثابت للأخلاق ؟
إما أن يكون الضمير الإنساني وحده وإما أن يكون الدين الذي يصون الضمير الإنساني من الزلل
فإذا كان الضمير الإنساني وحده وتعرض لمغريات الحياة وضغوطها أمكنه أن يستريح ويذهب في ثبات عميق ، إذن لا بد من أن يكون الرافد له الدين ليقاوم مغريات الحياة وضغوطها ولا يستسلم وبالتالي تثبت منظومة القيم والأخلاق في المجتمع ، فاحتياج الأمم للدين احتياج وجود وهو احتياج حتمي
ماذا يمكن أن يفهم إذا وجدت المتدينين يفتقروا للأخلاق التي قال عنها رسول الله صلي الله عليه وسلم إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ؟ حتماً دينهم مغلوط وفيه خلل ولم يصل الي قلوبهم ، أصبح اهتمامهم بالمظهر والمظهر خدااااع لا يدل علي الجوهر
لكن يجب ألا نعادي الدين بسبب سوء فهم واستغلال وممارسة البعض له ، الخلل في فهمهم واتزانهم النفسي العقلي وليس في الدين ، احتياج الأمة للدين حتمي لترتقي
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت …..فإن هم أخلاقهم ذهبت ذهبوااااا
الحضارة علم وأخلاق ، أخلاق بلا علم كالطائر الكسيح الذي لا يستطيع أن يحلق لكنه في كل الأحوااال أفضل من علم بلا أخلاق ، الأخلاق حب ورحمة ومودة وتكافل ومروءة وشهامة ونجدة وإيثار ، الأخلاق صدق وصراحة وبشاشة وتفاني وإخلاص واتقان وحفاظ علي النفس والعقل والمال والنسل .
من الأخلاق الحفاظ علي الوطن فبدونه يصبح الإنسان مشردا ولا يكون هناك معني للحفاظ علي النفس والعقل والنسل والمال بلا وطن ، هل من الإخلاق أن يتعاون الإنسان مع اعداء وطنه هل من الإمانة والمروءة أن يحدث هذا ويهدم وطنه بيده ، الوطن وإن اعتبره البعض حفنة تراب فهي حفنة تراب غالية فمن ترابها نشأ وتغذي وكبر وعلي ترابها سار ومشي ، الحفاظ علي الوطن من أهم مقاصد الشريعة يا من انتم مؤمورون بالحفاظ علي النفس والنسل والدين ، حب الوطن والحفاظ عليه من الدين ومن الأخلاق
إذا اردنا اصلاح وتحضر لمجتمعنا علينا أن نعمل علي الجناحين العلم والأخلاق في آن واحد