قال الرئيس التركي السابق “عبد الله غل” إن تنظيم “داعش” حركة سياسية لا دينية، مؤكدا أن هذا التنظيم الإرهابي “لا يمكن أن يشكل تهديداً أيديولوجيا لتركيا على الإطلاق”، وذلك في تصريحات أدلى بها، أمس الثلاثاء، خلال استضافته في المعهد الملكي البريطاني للدراسات الدولية “تشاتام هاوس” الذي حصل منه “غل” جائزة في العام 2010.
وأوضح “غل” أن أهم تغيير طرأ على المنطقة هو “حالة عدم الاستقرار التي تشهدها منذ سنوات”، لافتا إلى أن الرئيس العراقي الراحل “صدام حسين” كان يعتبر في فترة حرب الخليج “الخطر الوحيد الذي يهدد المنطقة، لكننا نلاحظ الآن كثرة المشاكل والأزمات”.
وأفاد أن “القضية الفلسطينية تعتبر واحدة من أهم القضايا التي نواجهها منذ الحرب العالمية الثانية”، موضحا أن الفشل في تحقيق السلام في منطقة الشرق الأوسط، شكل في بعض الأحيان مصدرا لكل المشاكل الأخرى، بحسب قوله، مشيداً باعتراف بعض الدول الأوربية بما في ذلك بريطانيا وفرنسا، بدولة فلسطين، واصفا تلك المواقف السياسية بـ”الباعثة على الارتياح”.
ولفت إلى أن الأجواء العامة في منطقة الشرق الأوسط، لازالت تخبئ الكثير من الأشياء، مشيرا إلى أنه يتوقع حدوث أشياء أخرى “لن تشكل لي أي مفاجئة على الإطلاق، فمن الواضح أن حالة الغضب المتراكم في المنطقة، وخيبات الأمل ستدفع الأزمات للظهور في إثر بعضها بعضاً”.
وتابع “غل” قائلا: “ومما لا شك فيها أن كون تركيا دولة جارة لمنطقة بهذا الشكل، أمر يزعجنا، فتركيا ترجح الاستقرار والهدوء في منطقتها، فهذا هو كل ما ترغبه”، مضيفا: “هذه هى الصورة التشاؤمية التي أراها، لكنها الحقيقة البادية أمامي. لكن هناك أمور أخرى جيدة شهدتها المنطقة، مثل الاعتراف بدولة فلسطين كما قلت، إلى جانب تطهير سوريا من المواد الكيميائية”.
وقال ان “داعش” قام بتوجيه غضب العرب السنة بشكل جيد للغاية
وذكر “غل” “أن التحالف الدولي الذي تم تشكيله لمواجهة تنظيم داعش، يعتبر من الإيجابيات التي شهدتها المنطقة، فضلا عن التحسن في العلاقات بين حكومة إقليم شمال العراق، والحكومة المركزية في بغداد”، مضيفا أنه لايرى قضية “داعش” على أنها قضية ثنائية لها علاقة بتركيا فحسب، “ولا أرها على أنها قضية بين تركيا وسوريا، فداعش قضية مرتبطة بالمنطقة بل بالإنسانية كلها، وتركيا بحكم الجوار أكثر الملامسين للأمر، وذلك رغما عنها”.
وأشار الرئيس السابق إلى أنه لم يتم التحدث قبل سنوات عن “داعش”، مضيفا “على الرغم من أن هذا التنظيم أدلى بتصريحات في العام 2006، وأعلن عن حدود الدولة التي سيؤسسها في العراق، فهم قاموا بإعداد الناس منذ ذلك التاريخ، هذا حدث ولم يتحدث أحد حينها”.
وأضاف “غل”: “تأسيس حكومة عراقية جديدة، وكونها حكومة أكثر شمولية، وإدراك الأخطاء في العراق حتى ولو كان متأخرا، كلها أمور تعتبر تطورا إيجابيا. فلقد سبق وأن قلنا إن الحكومة العراقية السابقة ترتكب أخطاءً كانت تتعمد من خلالها إقصاء العرب السنة الذين يشكلون أحد العناصر الأساسية والرئاسية في البلاد”.
وتابع”وهنا ظهر التنظيم الذي نسميه داعش، وزاد عدد العناصر القادمة من جهات خارجية، فضلا عن الجنود الباقين من جيش صدام حسين، كل هذه المجموعة وضعت الشعب تحت أسرها بشكل أو بآخر، وأستطاعوا توجيه غضب العرب السنة الذين أدركوا أن دولتهم انقسمت، ووقعت تحت تأثير إيران بشكل كامل”
وذكر أنه لا يوجد أي مسلم بدءً من المملكة العربية السعودية، وحتى تركيا، يكن أى إعجاب بداعش، “بل إن الكتلة العريضة من المسلمين تنفر من هذا التنظيم، وذلك لما ألحقوه من ضرر بالدين الإسلامي. فهذا التنظيم ليس حركة إسلامية، ولا يشكل تهديدا إيديولوجيا لتركيا”.
نحن في مستهل فترة حرب باردة ثانية:
وتطرق الرئيس التركي السابق إلى العلاقات التركية – الروسية، وذكر في هذا الشأن أن هناك علاقات تاريخية تربط بين البلدين، مشيرا إلى ان هناك جزءً كبيرا من الغاز التركي يأتي من روسيا، “ومن ثم فنحن مرتبطون كثيرا بالغاز الروسي، لكننا نرغب في تنويع مصادرنا، لكن لا أخفي عليكم أن التطورات الحاصلة في أوكرانيا تمثل مصدر قلق كبير لنا، ولا سيما أن جنوبنا متوتر”.
وذكر أن الأزمة الروسية – الأوكرانية، تشكل واحدة من أخطر الموضوعات التي واجهت حلف شمال الأطلسي “الناتو”، مشيرا إلى أن “احتلال القرم بسياسة (ألأمر الواقع) أمر خل جوا متوترا للغاية، وربما نحن في مستهل حرب باردة ثانية”.
النظام الرئاسي في تركيا
ومن الموضوعات التي تطرق لها “غل” خلال تصريحاته، النظام الرئاسي في تركيا، وقال في هذا الخصوص “الجميع يرون أن النظام البرلماني أنسب لتركيا، لكنكم لا يمكنكم القول إن النظام الرئاسي ليس ديمقراطيا. فهل يمكننا القول إن الولايات المتحدة ليست ديمقراطية؟ الفيصل في هذا الأمر هو الإرادة الشعبية، فكلاهما نظامان معمول بهما”.
أنا على قناعة بأن هذا ظلما لتركيا
استنكر الرئيس السابق الاتهامات التي توجه لتركيا، بأنها لا تفعل الدور الذي ينبغي عليها القيام به من أجل هزيمة تنظيم “داعش”، مشيرا إلى أن تركيا هى الدولة الوحيدة بالمنطقة التي تستضيف على أراضيها ما يقرب من مليوني لاجئ سوري، مشددا على ضرورة إدراك الجميع لهذه النقطة، بحسب قوله.
وأضاف “غل”: “القول بأن تركيا تفعل شيئا قليلا، ظلما كبيرا لها. فلو كنا سنفعل شيئا حيال سوريا، فيجب أن نفعله جميعا، فأنا لا أريد حصر الأمر على سوريا وتركيا فحسب، وذلك لأن تركيا وسوريا ليستا في صراع على المصالح. فلابد من مواجهة المأساة الإنسانية التي تشهدها سوريا بشكل جماعي، وتركيا بحكم جوارها لسوريا ستقدم الكثير”.
الشعبان المصري والتركي أخوة بغض النظر عن موقف الحكومات
وفي رد منه على سؤال متعلق بمستقبل العلاقات التركية – المصرية، قال الرئيس التركي السابق “العلاقات بين البلدين، علاقات بين شعبين شقيقين بغض النظر عن مواقف الحكومات والأنظمة”، مشيرا إلى أنهم يرغبون دائما في أن تكون مصر دولة قوية، وأن يكون شعبها سعيدا.
واستطرد “غل” قائلا: “من المؤسف أن مصر شهدت في السنوات الأخيرة تطورات محزنة للغاية. لا يمكن لأي شخص أن يثني على التدخلات العسكرية. لكني أرى ضرورة بحث كيفية خروج البلد من كل هذا والوصول إلى الديمقراطية، وكيف ستحتضن شعبها، وكيف سيتم الإفراج عن المعتقلين السياسيين. وأرى كذلك أنه لابد من دعم كل هذه الأمور بشكل إيجابي. فنحن في مرحلة انتقالية، لكن إذا كان الشعبان أخوة، فسيأتي يوم ستكون فيه الحكومات قريبة من بعضها أيضا. لا سميا وأن علاقاتنا الاقتصادية تطورت، فهناك العديد من الرحلات التي تتم بين القاهرة واسطنبول،وهكذا أقول أن الأوضاع الحالية بين البلدين أوضاعا مؤقتة.