سلطت وكالة أنباء “شينخوا” الصينية الضوء على زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى بكين، وقالت فى معرض تعليق لها على هذه الزيارة المهمة أن الـ23 من ديسمبر عام 2014 أصبح يوما ذا أهمية بالغة فى تاريخ العلاقة الصينية – المصرية، حيث شهد الرئيس الصينى شى جين بينغ ونظيره المصرى الزائر الرئيس عبد الفتاح السيسى فى قاعة الشعب الكبرى ببكين مراسم التوقيع على وثيقة الارتقاء بالعلاقة الثنائية إلى شراكة استراتيجية شاملة، الأمر الذى يدل على أن الصين ومصر صاحبتى أقدم حضارة عرفتها الخليقة قد دخلتا مرحلة غير مسبوقة من العلاقات الوطيدة والتعاون الوثيق.
وتعليقا على هذا الحدث البارز، أكد السيد وو سى كه الذى سبق أن عمل سفيرا للصين لدى القاهرة ومبعوثا صينيا خاصا لشئون الشرق الأوسط، على أنها خطوة منطقية وتستحقها العلاقات الصينية المصرية، لأن البلدين صديقان حميمان منذ قديم الأزل، كما تعد مصر أول دولة عربية وإفريقية تقيم علاقة دبلوماسية مع الصين فى عام 1956 وكذا علاقات تعاون استراتيجى مع الصين فى عام 1999، مشيرا إلى أن التوقيع على هذه الوثيقة يؤكد على مكانة مصر ووزنها فى الشرق الأوسط وأفريقيا، ويسهم فى توطيد العلاقات بين الصين ومصر وتعميقها فى مجالات السياسة والاقتصاد والتجارة والاستثمار والطاقة والتكنولوجيا والثقافة ومكافحة الإرهاب فضلا عن الشئون الإقليمية والدولية.
من جانبه، أكد السيد سو تشانج خه مدير معهد العلاقات الدولية والشئون العامة بجامعة فودان الصينية، أن علاقة الشراكة الاستراتيجية الشاملة هى أعلى درجات العلاقات الخارجية والتى لم تقمها الصين سوى مع عدد محدود جدا من الدول التى ترغب بكين فى رفع مستوى التعاون وتوسيع نطاقه معها ليشمل جميع الجوانب، ما يبرهن على مدى متانة العلاقة الثنائية واهتمام الصين بمصر، حيث أكد الرئيس شى خلال محادثاته مع الرئيس السيسى “أن العلاقات بين الصين ومصر تمثل نموذجا للعلاقات بين الصين والدول العربية والأفريقية، وكذلك العلاقات بين الجنوب والجنوب، وأن التوقيع على هذه الوثيقة يعد معلما تاريخياً مهما يدفع التعاون بين الصين ومصر إلى مستوى أعلى فى شتى المجالات ليصب فى صالح الشعبين الصديقين”.
وينطلق الارتقاء بمستوى العلاقات الثنائية – حسب شينخوا – من إرادة سياسية قوية لدى الجانبين فى تطويرها أكثر فأكثر إدراكا منهما بأنه لا غنى للصين ومصر عن كل منهما الأخرى فى ظل المراحل الجديدة من نموهما، فتعاونهما الوثيق فى الشئون الداخلية والقضايا الدولية لا يسهم فى نموهما القومى اقتصاديا واجتماعيا فحسب، وإنما يسهم أيضا فى استقرار الوضع الاقتصادى العالمى وكذا فى مكافحة الإرهاب ودفع عملية السلام فى الشرق الأوسط ليعم الرخاء على أبناء هذا الكون.
ويأتى الارتقاء بمستوى العلاقات فى وقت تشهد فيه مصر والصين، اللتان تحظيان بثقل كبير فى العالم النامى وعلى الصعيدين الإقليمى والعالمى، مرحلة تحول هامة فى تاريخهما، ويجمع المحللون والمراقبون الصينيون على أن الإعلان عن الارتقاء بالعلاقات سيعطى زخما جديدا للصداقة الثنائية العريقة بين البلدين ويعزز التنسيق والتعاون بينهما على كافة الأصعدة وفى شتى المجالات ليعود ذلك بفوائد جمة على الشعبين الصينى والمصرى، ويسهم إسهاما ضخما فى مسيرة تطورهما.
وبالنسبة للصين، فقد بادر الرئيس الصينى شى جين بينج بطرح فكرة “تحقيق الحلم الصينى” التى يكمن مغزاها الجوهرى فى رفع مستوى المعيشة وتحقيق الرخاء والازدهار لجميع مواطنى الصين بعد دراسته الدقيقة للظروف المحلية والدولية عقب توليه المنصب فى بداية عام 2013.
وتطبيقا لهذه الفكرة، طرح الرئيس شى جين بينج فى العام الماضى مبادرة” الحزام والطريق”، مؤكدا أن الصين ستعمل على تسريع بناء الحزام الاقتصادى لطريق الحرير وطريق الحرير البحرى للقرن الـ21 وستعزز التعاون مع الدول المعنية، ومعلنا فى نوفمبر الماضى مبادرة إنشاء البنك الآسيوى للاستثمار فى البنية التحتية وتخصيص الصين 40 مليار دولار أمريكى لإنشاء صندوق طريق الحرير لمساعدة الدول المعنية بهذه المبادرة.
ومن جانبها تعمل الحكومة المصرية، عقب استقرار الوضع الأمنى والسياسى مع انتخاب السيسى رئيسا للبلاد، تعمل جاهدة على إعادة بناء الاقتصاد لتحقيق النهضة القومية، إذ رسمت خطة طموحة للسنوات الثلاث المقبلة واضعة نصب عينيها أهمية إنعاش الحالة الاقتصادية بالتوازى مع تنفيذها الجاد للمرحلة الثالثة من خارطة الطريق على الصعيد السياسى وشرعت فى اتخاذ خطوات ملموسة لتحسين الوضع الاقتصادى وتشجيع الاستثمارات الخارجية ومن بينها البدء فى إقامة مشروعات وطنية عملاقة، مثل ممر قناة السويس للتنمية وتحويل منطقة القناة بأكملها إلى مركز عالمى للتجارة وبناء مدينة بورسعيد الجديدة.
ويولى الرئيس السيسى اهتماما بالغا بتطوير العلاقات مع الصين، إذ أمر بإنشاء “وحدة الصين” داخل مجلس الوزراء ليترأسها رئيس الوزراء إبراهيم محلب تأكيدا على إرادة سياسية مصرية واضحة فى تعزيز العلاقة مع الصين ويناقش الرئيس المصرى بنفسه أعضاء الوحدة فى طرق وأساليب تطوير التعاون مع الصين، والاستفادة من خبرات الصين فى النمو الاقتصادى والتمويل والتكنولوجيا.
ومن هنا، يلتقى الحلم الصينى مع الحلم المصرى، إذ أن مبادرة الحزام والطريق قائمة على حزام أرضى يمتد من الصين عبر آسيا الوسطى وروسيا إلى أوروبا وطريق حرير بحرى يمر عبر مضيق ملقا إلى الهند والشرق الأوسط وشرق أفريقيا.
وبفضل ثقلها السياسى وموقعها الجغرافى ومميزاتها الاقتصادية، تعد مصر نقطة ارتكاز حقيقية ومحطة ذات أهمية كبيرة لتطبيق هذه المبادرة، حيث أعرب الرئيس السيسى خلال لقائه مع الرئيس شى عن حرص مصر، بصفتها قوة مهمة فى العالم العربى وأفريقيا، على دعم المبادرة وتعزيز التعاون مع الصين فى إطارها وبذل جهود لتفعيلها، مشيرا إلى أن المبادرة تجلب فرصا جديدة لمصر.
وفى حقيقة الأمر، يوصف التعاون بين الصين ومصر فى قطاعى الاقتصاد والتجارة بأنه مثمر للغاية مع كون الصين الآن أكبر شريك تجارى لمصر حيث بلغ حجم التبادل التجارى بين البلدين فى عام 2014 حوالى 11.5 مليار دولار أمريكى، ودخول المنتجات صينية الصنع منازل الملايين من المصريين لتسهل حياتهم اليومية، وتواجد الشركات والمؤسسات الصينية مع الشعب المصرى حتى فى حالة عدم الاستقرار التى شهدتها مصر فى الفترة الماضية.
إن مصر تعمل بجد الآن لكى ترسم طريق التنمية الملائم لخصائصها الوطنية وتقوم بكل ما فى وسعها لجذب الاستثمارات وإصلاح الاقتصاد، وتنتهج سياسة تجارية تعتمد على التوجه للخارج نظرا لكون التعاون الخارجى أفضل السبل للحصول على خبرات جديدة وتكنولوجيات فائقة وأفكار متطورة لبلوغ أعلى مستويات النهضة والتنمية. وفى هذا الصدد، يمكن أن تتقاسم الصين مع الجانب المصرى الخبرات والتجارب التى استخلصتها على مدار الثلاثين عاما الماضية من تنميتها.
فنظرا لأوجه التشابه الكبيرة بين البلدين فى التاريخ والحضارة والظروف الداخلية والتحديات الخارجية، فإن تجارب الصين قد تساعد مصر على إيجاد طريق مناسب لنموها إضافة إلى ما يمكن أن تقدمه الأولى من استثمارات فى قطاعات الصناعة والزراعة الحديثة والتكنولوجيا المتقدمة والطاقة المتجددة والأقمار الصناعية وإلى آخره، وكذا ما يمكن أن تقدمه من خبرات لتجديد وتشييد شبكات كهرباء وسكك حديدية ذات تكنولوجيات متقدمة فضلا عن مشاركتها فى مشروع المنطقة الاقتصادية بشمال السويس فى إطار تطبيق مبادرة “الحزام والطريق” وسياسة التحفيز السياسى والمالى التى تنتهجها الحكومة الصينية.
كل هذا مع التركيز بشدة على أهمية تنشيط السياحة الصينية الوافدة إلى مصر، فى ضوء الحجم السنوى للسياحة الصينية إلى الخارج الذى بلغ 120 مليون سائح فى العام الماضى وذلك لإنعاش قطاع السياحة الذى يعد أحد أعمدة الاقتصاد المصرى.
علاوة على ذلك، فإن رفع مستوى العلاقات سيوطد مستوى التعاون بين الجانبين فى مكافحة الإرهاب ودفع عملية السلام بالشرق الأوسط، حيث تواجه مصر والصين تهديدات إرهابية على أراضيهما وعلى الصعيد الدولى، وتتشابه وجهات نظرهما تجاه ضرورية استئصال الإرهاب من جذوره باعتباره عدوا مشتركا للبشرية جمعاء.
وفى الواقع، إن شجرة الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين ومصر قد طرحت أولى ثمارها بالتوقيع على حزمة ضخمة من الاتفاقيات الحكومية وغير الحكومية بين البلدين فى مجالات الاقتصاد والتجارة والطاقة والتكنولوجيا والثقافة والسياحة قبل أن يختتم الرئيس السيسى زيارته التاريخية بنجاح للصين. خلاصة القول “إن الارتقاء بمستوى العلاقات الثنائية يسطر صفحة مشرقة فى تاريخ العلاقات بين الصين مصر ويشكل نقطة انطلاق لمزيد من الزيارات والتبادلات رفيعة المستوى بين الجانبين الصينى والمصرى فى شتى المجالات لتحقيق “حلم الصينيين” و”حلم المصريين” ومنهما إلى “الحلم العالمى”.