في الوقت الذي يُنتظر فيه انطلاق مشروع قناة قطرية جديدة من لندن، تتجه الأنظار نحو “الجزيرة ” الأداة القطرية القوية على مدى سنوات. فما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه القناة الجديدة وهل ستعوض “الجزيرة” أم ستتبادل معها الأدوار؟
تستعد قطر لإطلاق قناة تلفزيونية جديدة من لندن، ومن المقرر أن يتولى المفكر العربي والنائب السابق في الكنيست الإسرائيلي عزمي بشارة إدارة القناة. “العربي” أو “شبكة تلفزيون العربي” يتوقع أن تحظى باهتمام كبير من المسؤولين القطريين ليكون لها نفس ثقل قناة الجزيرة في المشهد الإعلامي العربي. وعزا بعض الخبراء الإعلاميين أسباب إطلاق هذه القناة إلى محاولات قطر “تصحيح صورتها” التي تضررت في السنوات الأخيرة والتخفيف من “وطأة العداء الذي تولد ضدها وساهمت فيه قناة الجزيرة”.
هل تعوض “العربي” الجزيرة؟
وفيما ما يزال الغموض يلف هذا المشروع الإعلامي الجديد نشرت تقارير صحفية أن القناة سيتم إطلاقها لتعوض التراجع الذي عرفته قناة الجزيرة بعد انخفاض شعبيتها في السنوات الأخيرة، لكن مصادر إعلامية أكدت أن القناة الجديدة لن تكون متخصصة في الجانب الإخباري على غرار الجزيرة وإنما سيطغى عليها جانب المنوعات والترفيه على شاكلة قنواتMBC السعودية التي تحظى بنسبة مشاهدة عالية في العالم العربي.
وحسب الموقع الرسمي للقناة فإن الأخيرة عبارة شبكة تلفزيونية عامة، تتنوع برامجها وتتوزع بين الأخبار والبرامج السياسية والاجتماعية والثقافية والترفيهية. وتركز جهدها لتكون منصة لأصوات وأفكار المبدعين والفاعلين من أجل تحقيق إضافة نوعية وتقديم الجديد والمختلف والملهم، كما تولي اهتماما خاصًا بالقطاعات الشبابية.
ويقول حسن سوسي وهو صحفي وكاتب سياسي مغربي مقيم بلندن لـ DW عربية حول خلفيات إطلاق “العربي” إن قطر شعرت ببدايات تراجع قناة الجزيرة بعد أن كانت في القمة، لذلك بادرت إلى إنشاء قناة جديدة يدل اسمها على أنها تحاول أن تكون ممثلة لما تسميه قطر عمليا “العربي الجديد أي مولود ما كان يسمى الربيع العربي”.
ورغم الانتقادات الموجهة للجزيرة فهي ما تزال تتصدر القنوات الإخبارية الأكثر متابعة في العالم العربي حسب دراستين نشرتا مؤخرا، إذ بلغت نسبة مشاهدة القناة أزيد من 53 بالمائة في الأشهر التسعة الأولى من سنة 2014.
ويقول صفوت العالم الأستاذ بكلية الإعلام في جامعة القاهرة والخبير في الإعلام السياسي إن قناة العربي الجديدة ستسعى لتصحيح صورة قطر بعد تضررها بسبب اللهجة الحادة التي لطالما اعتمدتها قناة الجزيرة لكن ذلك لا يعني أنها ستعوض الجزيرة. ويقول الخبير المصري لـ DW عربية بهذا الخصوص “الجزيرة لا يمكن أن تنتهي لأنها صارت ماركة مسجلة ومازال لها دور في تدعيم قطر دوليا وإقليميا كما أنها تتوفر على شبكة قوية من المراسلين ولها جمهورها وأسلوبها، لكن حالة العداء لقطر من بعض الدول قد يجعلها توظف القناة الجديدة لتحسين العلاقات مع هذه الدول”.
قناة قطرية من لندن
وهو نفس الرأي الذي يشاطره سوسي إذ يعتقد أن “العربي” ستكون مكملة للجزيرة تجاه بعض القضايا الإعلامية وقد تلعب دور البديل في بعض القضايا الأخرى. ويضيف “ينبغي أن لا ننسى أن القناة الجديدة قد لا تكون محايدة ولكنها ستشتغل وفق القوانين السائدة في بريطانيا وهي بهذا المعنى لن تتجاوز بعض الحدود المسموح بها قانونيا في التعامل مع قضايا الساعة، ما سيضفي عليها مصداقية في نظر الكثيرين على عكس الجزيرة التي كانت أداة للهجوم على سياسات وشخصيات في المنطقة”.
اختيار البث من لندن يراه الخبير المصري، نقطة إيجابية أيضا ويقول “البث من لندن سيكون لصالح قطر، لأن لندن معروفة بأنها تضم الكثير من المؤسسات والشخصيات العربية من مختلف المجالات ووجود كفاءات إعلامية أيضا وهذا ما سينعكس على تنوع المنتوج الذي ستقدمه القناة” وهو ما يرى معه صفوت عالم أن قطر ستؤسس قناة بمرتكزات جديدة وفي وقت سريع لتكرس مسار تصحيح العلاقات مع الدول الخليجية ومصر الذي دخلت فيه قطر مؤخرا.
قناة الجزيرة أطلقها أمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني عام 1996 وقيل وقتها إنها تأسست لمواجهة الاحتكار السعودي لوسائل الإعلام في العالم العربي في فترة منتصف التسعينات. وكانت القناة تشكل من خلال حوارات وأشرطة تبثها، منبرا لمجموعات مناوئة للعائلة الحاكمة في السعودية.
انعكاس لتحول سياسي؟
ويرى صفوت عالم أن قناة الجزيرة شكلت موضوع إزعاج لبعض الدول وتسببت لقطر في أزمات ديبلوماسية بدليل أن قطر طولبت عدة مرات بوقف الحملات التي تشنها القناة عليها، “موضوع الجزيرة طرح مثلا خلال المصالحة الخليجية، كما أن تغطية الجزيرة لأحداث 30 يونيو (في مصر) وما بعدها واعتمادها المبالغة والتركيز على فصيل واحد في تغطيتها أثار استياء مصر” وهو ما استدعى من قطر باعتقاد الخبير المصري ضرورة التغيير في سياستها الإعلامية أيضا.
وذهب بعض المراقبين الإعلاميين إلى الاعتقاد بأن إطلاق الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير قطر للقناة الجديدة هو أيضا انعكاس للتغيير الذي عرفته قيادة البلاد إذ أن الأمير تميم يحاول بذلك الخروج من ظل والده مؤسس قناة الجزيرة بأن يجعل له قناة خاصة تعيد التوازانات لسياسة قطر الخارجية وتعزز قوتها الناعمة. لكن الخبير المصري يستبعد ذلك قائلا “لا أعتقد أن هذا المشروع له أية علاقة بتغييرات سياسية داخلية في قطر بدليل أن السياسة الخارجية لهذا البلد لم تتغير بشكل عام، المتغير الوحيد ربما هو المواقف الخليجية والعربية التي طالبت بتخفيف حدة الجزيرة”.