«أُريد أن أكون كاتبًا».. جملة انبعثت من بين شفتي موظف هيئة البريد، نحيل الجسد، حاملًا شنطته الجلدية، حيث يسير ومدربه سعد الذي وثق فيه كثيرًا، في طريقهما إلى ترام العتبة الخضراء، بعد أن أنهيا عملهما.
لم تكن تلك الجملة جوابًا على سؤال طرحه سعد على زميله الصغير موظف هيئة البريد «إبراهيم أصلان»، ولم تكن أيضًا مجرد جملة عابرة قيلت وقت ما ونسيت فيما بعد، بل انطلقت ذات الـ4 كلمات في الفضاء متخذة مسار أفقي، إلى أُذن سعد، لتعبر عن رغبة وطموح صادق لدى قائلها، فينصحه بالإكثار من القراءة.
كانت أول مازار ذاكرة أصلان بعد مرور 40 عامًا، عندما سألته صديقته الأجنبية أوراس -إذاعة الشرق التي تبث باللغة العربية من باريس- عن الحادثة التي جعلت منه أديبًا، حيث اعتبر أصلان بعد استنكاره للسؤال، وتفكير ظل يصاحبه لمدة يوم -المهلة التى أعطاها لأوراس للإجابة على سؤالها- جملة «أريد أن أكون كاتبًا» والحوار الذي دار بعدها مع زميله سعد، واحدة من بين ثلاث حوادث جعلته بالفعل كاتبًا.
أما الحادثة الثانية، والتي حددت اتجاه أصلان في الكتابة، كانت قراؤته لقصة «موت موظف» للكاتب الروسي «تشيخوف»، حيث اقتنع أن إطار هذه القصة الدرامي هو المناسب لكتاباته وللتعبير عن أحلامه، وأنه ليس إلا كاتبًا للقصة القصيرة.
«مالك الحزين» أو كما قدمها المخرج الكبير داوود عبد السيد لجمهور السينما «الكيت كات»، كانت الرواية الأولى في رصيد أصلان الأدبي، وتُعد قصة وظروف كتابة هذه الرواية، الحادثة الثالثة التي ذكرها أصلان خلال كتابه «شيئ من هذا القبيل».
أكد، أصلان أكثر من مرة على أنه كاتب للقصة القصيرة، لا أكثر ولا أقل، إلا أن الأديب نجيب محفوظ، والذي كان معجبًا بكتاباته، وقدمه للكاتب توفيق لحكيم على أنه واحد ممن يحتلون مقدمة مقدمة كتاب الجيل الجديد حينها، كان له رأي آخر، حيث حرص محفوظ على كتابة رسالة تُزكي أصلان للحصول على منحة تفرغ من وزارة الثقافة لمدة عام، لكتابة رواية، وحينها كان أصلان يعمل بهيئة المواصلات بنظام الورديات.
ودعم هذه التزكية، الشاعر صلاح عبد الصبور، والدكتورة لطيفة الزيات، وبالفعل حصل أصلان على تفرغ لمدة عام قابل للتجديد، قائلًا لنفسه: «خلاص نكتب رواية»، رُغم أنها كانت تؤمن أنه كاتب للقصة القصيرة، وكانت «مالك الحزين»، الذي فكر في كتابة جزء ثان منها، إلا أنه تراجع لعدة أسباب.
إبراهيم أصلان من مواليد الغربية، عام 1935، نشأ في حي إمبابة وتحديدًا بمنطقة الكيت كات، بدأ الكتابة والنشر منذ عام 1965، وعمل بهيئة البريد، وهيئة المواصلات السلكية واللاسلكية، وتوفى عام 2012.
من كتابات أصلان: بحيرة المساء، حكايات من فضل الله عثمان، شيئ من هذا القبيل، مالك الحزين، وردية ليل، وعصافير النيل، خلوة الغلبان، حجرتان وصالة، صديق قديم جدًا.