لاشك أن ما يحدث حولنا أو فينا أو بنا من انتهاك حرمة أو ذبح أو تنكيل بالبشر فوق أي وصف وكل وصف أو تحليل ، فلا يوجد معادل لغوي أو موضوعي مهما كانت دقة الكاتب يمكن أن يفي أو يعادل تلك الأفعال الإجرامية البشعة .
والذي لا شك فيه أيضا أن جميع الأديان بصفة عامة ودين الإسلام بصفة خاصة لا يمكن أن يكون مصدرًا لهذا الإجرام ، فالإسلام وجميع الأديان من كل ذلك براء ، بل إن الإنسانية السوية والطبع السليم ينفران من ذلك , ولا يطيقان احتماله , أو حتى القدرة على مشاهدته , ومتابعة تلك المناظر التي تصيب صاحب الحس الإنساني السليم بصدمة تحفر في ذاكرته وقد لا يقوى على نسيانها ما دام حيا ، إن لم تشكل له صدمة ذهنية ونفسية وعصبية .
وبما أننا بصدد التأكيد على أن الإسلام لا يقر شيئا من ذلك ، بل يحرمه ويجرمه فإننا نرى من واجبنا أن نؤكد أن الإسلام قد أكد على حرمة الدماء أيما تحريم ، ونهي وحرم كل ألوان التنكيل بالبشر أو التمثيل بالجثث ، فقد حرم الإسلام قتل النفس أي نفس , فقال سبحانه : ” أَنَّهُ من قتل نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً ” ، فالحرمة هنا لقتل النفس أي نفس وكل نفس ، فلم يحرم الإسلام قتل النفس المسلمة فقط ، ولا المؤمنة فقط ، إنما حرم دماء الناس جميعًا ، بغض النظر عن دينهم أو معتقدهم أو جنسهم أو لونهم ، بل إن الإسلام قد كرم الناس جميعا ، فقال الحق سبحانه : ” وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ” ، فكرم الإنسان على إطلاق إنسانيته ، ولما رأى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) امرأة كافرة مقتولة في ساحة الحرب قال (صلى الله عليه وسلم) : من قتلها ؟ ما كانت هذه لتقاتل ” .
وفي هذا ما يؤكد أنه لا يوجد في الإسلام قتل على المعتقد ، وإنما هو دفاع عن النفس والأرض والعرض والوطن والدين ، حيث يقول سبحانه وتعالى: “ أُذِنَ لِلَّذِينَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ” ، فالإسلام لا يحمل الناس على الإسلام حملا ، إنما يترك لكل إنسان حرية اختياره ليكون حسابه عند ربه على هذا الاختيار , يقول الحق سبحانه مخاطبًا نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ ” , وقوله تعالى : ” إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ ”, بل إن الحق سبحانه قد بين لنا أن الاختلاف سنَة إلهية وكونية , حيث يقول سبحانه : ” وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ” .
ومن فضل الله علينا أنه لا يحملنا تبعة كفر من كفر مادمنا قد بلَغنا رسالتنا بالتي هي أحسن , فقال سبحانه : ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ” ، ويقول سبحانه وتعالى: ” ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ” ، فكل ذلك يؤكد أننا لم نخلق أوصياء على الناس أو محاسبين عنهم أو متحملين عاقبة كفر من كفر ولا عصيان من عصى طالما بلَغنا بالحكمة والموعظة الحسنة ، فالإسلام قائم على الرحمة لا على العنف ، ولا على التشدد ، ولا على القتل ، ولا على التخريب ، ولا على التدمير ، فما بالكم بالقتل والذبح والحرق والتنكيل ؟
لقد نهى الإسلام عن ذلك كله وشدد النكير على من يفعله ، فنهى نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) عن الحرق والتعذيب بالنار فقال (عليه الصلاة والسلام) : ” لا تعذبوا بالنار فإنه لا يعذب بالنار إلا ربها ” ، ونهى ( صلى الله عليه وسلم ) عن المثلة والتنكيل بالبشر ، فقال عليه الصلاة والسلام : ” إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور ” ، وكان صلى الله عليه وسلم يقول لقادة الجيش وجنوده : ” لا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ” ، وعلى هذا صار خلفاؤه الراشدون وصحابته الكرام ، فَعن عبد الله بن عامر أنه قَدِمَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) برأس البطريق ، فأَنْكَرَ ذَلِكَ , فَقَالَ : يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) إِنَّهُمْ يَصْنَعُونَ ذَلِكَ، قَالَ: أَفَاسْتِنَانٌ بِفَارِسَ وَالرُّومِ؟ لَا يُحْمَلْ إِلِيَّ رَأْسٌ , فَإِنَّمَا يَكْفِي الْكِتَابُ وَالْخَبَرُ ، وفي حادثة أخرى : أُتي له برأس، فقال: بَغَيتُم! أي : إن هذا من فعل أهل البغي والظلم لا من فعل أهل الإيمان .
وهكذا حرم الإسلام المثلة بالموتى وقطع رءوس البشر حتى خرج علينا أناس ابتليت بهم الأمة يستحلون سفك الدماء وهتك الأعراض ونهب الممتلكات دون وازع من دين أو ضمير إنساني حي .