أخبار عاجلة

د.أيمن المحجوب يكتب… “مؤشرات المؤتمر الناجح..”

كنت قد أشرت فى مقالى السابق قبل انعقاد المؤتمر الاقتصادى إلى ما يعرف «بمعجل ومؤخر الاستثمار»، والضوابط الحاكمة له.
 وأوضحت الآثار المباشرة وغير المباشرة التى تتحكم فى حجم الاستثمار. واليوم ونحن نختتم المؤتمر الاقتصادى, أكمل دور الآثار المباشرة لإعادة توزيع الدخل  فى حجم  الاستثمار، من خلال ما يعرف «بالسياسة الضريبية والانفاق العامة».
ونبدأ أولاً بأثر الضرائب؛ حيث تؤدى الضرائب إلى إعادة توزيع الدخل فى مصلحة الطبقات ذات الدخول المحدودة، مما يرفع مستوى الاستهلاك، ويؤدى إلى تخفيض حجم الادخار. وهو ما يعنى تخفيض موارد تمويل الاستثمارات الجديدة, هذا إذا زادت معدلات الضرائب عن الحد الأمثل. وواضح أن هذه النتيجة تؤدى  إلى إعاقة الاستثمار(خاصة فى البلاد الأخذة فى النمو كمصر والتى تنقصها المدخرات، ولا يمكن أن نسمح للبنك المركزى «بالإصدارالنقدى الجديد» لتمويل الاستثمارات). وعليه ننبه هنا إلى أن الذى يؤدى الى تخفيض المدخرات القومية، ليس مجرد فرض الضرائب، بل تحويل جزء من الدخل القومى من فئة ذات دخول مرتفعة الى فئة ذات دخول منخفضة (تستهلك أكثر من سابقتها). أما مجرد فرض ضرائب على الدخول المرتفعة دون تحويل حصيلتها إلى أصحاب الدخول المنخفضة، أى دون تخصيصها للاستهلاك، فسوف يشكل نوعاً من الادخار الاجبارى يحل محل الادخار الاختيارى.وهو الأمر الذى يجب أن تراعيه الحكومة فى وضع السياسة الضريبية بحيث لا يجب أن تزيد معدلات الضرائب على الدخول والأرباح والثروات, خاصة التصاعدية منها، عن «الحد الأمثل للضريبة».
ثانيهما: أثر النفقات العامة فى الاستثمار: وهنا نوجه نظر الحكومة إلى أنه يجب ان تخصص جزءا من النفقات العامة لإقامة استثمارات قومية (مثل نموذج قناة السويس الجديدة والمشروعات القومية الأخرى ذات الطابع المماثل) ولكن بشروط فنية واضحة تصب فى مصلحة العامل والمستثمر المحلى أولا، كما يجب أيضا أن يخصص جزء آخر لتشجيع الاستثمارات الخاصة لرفع قدرتها الانتاجية. وفى هذا النوع  من النفقات نفرق بين ثلاثة أنواع من التحويلات وهى: الحوافز والإعانات الاقتصادية والاعفاءات التى تمنح لبعض المشروعات أو لبعض فروع انتاج الأنشطة الاقتصادية بغرض تشجيعها, من خلال خفض تكاليف الانتاج، كوسيلة لرفع معدلات الربح وبالتالىالاستثمار فيها. فإن مثل هذه الاجراءات تؤدى الى انتقال رءوس الأموال من فرع من فروع النشاط الاستثمارى الى فرع آخر (وتكون الدولة متعمدة ذلك لأهداف اقتصادية وسياسية واجتماع واضح للمستثمر فى مصر). وعادة ما تمنح تلك المزايا والحوافز لمشروعات بعينها مثل استصلاح الأراضى والبناء والتشييد لمحدودى الدخل وللصناعات الاستراتيجية (لمنع الممارسات الاحتكارية)  هذا بالإضافة الى الصناعات المهمة كثيفة العمل والتى تخدم الطبقات المتوسطة والفقيرة وغيرها من الأنشطة الاقتصادية الجاذبة للتكنولوجيا الحديثة الى جانب الانشطة الاستثمارية المنتجة «للسلع الاجتماعية» التى يستثمر فيها القطاع الخاص. وعلى الحكومة المصرية التدقيق فى منح تلك المزايا بعناية ووضع ضوابط صارمة لها, بحيث تمنح فقط للمستثمر المحلى والأجنبى الذى تنطبق عليه الشروط المنصوص عليها فى قانون الاستثمار الموحد الجديد والتى تحمى مصالح الاقتصاد المصرى، حتى لا يُساء استخدامها فى جنى أرباح سريعة وتصدير العملات الأجنبية خارج البلاد, أو اهدار المال العام وضياع حق الدولة. وأخيراً هنا ننبه الحكومة  الى أن السياسة الاقتصادية يجب ان تكون  فى الوقت الراهن استباقية لا دفاعية. 
ثم يجب ايضا توجيه واستخدام جزء من الانفاق العام فى رفع انتاجية العامل، ومثل ذلك الانفاق على التدريب والتعليم المهنى وتبادل الخبرات مع الدول المتقدمة والانفاق على علاج العمال ورفع درجة رفاهيتهم البدنية والذهنية والمعنوية من خلال أساليب التدريب والتعليم ذات المقاييس العالمية, وذلك لرفع القدرة الانتاجية والتنافسية للعامل المصرى. واخيرا يجب توجيه جزء كبير من النفقات العامة الى زيادة المقدرة الانتاجية للاقتصاد القومى (اى البنية الاساسية) مما يؤدى الى خفض تكاليف الانتاج، وبالتالى يؤدى هذا الى رفع الكفاية الحدية لرأس المال العامل ويخفض تدريجياً أسعار الفائدة، مما يحفز على زيادة الاستثمارات فى جميع الأنشطة الاقتصادية.
ويمكن القول أيضاَ إن زيادة النفقات العامة والضرائب (خاصة الضرائب غير المباشرة)، حتماً سوف يؤديان معا الى ارتفاع الأثمان لفترة محدودة, حتى يصل معدل النمو الى 7% كما اشار سيادة الرئيس، ولكن على الجانب الإيجابى تؤديان الى ارتفاع الكفاية الحدية لرأس المال والميل الحدى للاستثمار المحلى والأجنبى. ويأتى هنا الدور المحورى للدولة والقطاع الخاص معا فى رفع درجة  كفاءة الجهاز الإنتاجى للاقتصاد وما يؤدى إليه من تحقيق معدلات استثمار ونمو مرتفعين فى المستقبل القريب, وبالتالى تخفيض معدلات البطالة والتضخم تدريجيا.  وعليه ننبه لأهمية الأثر المزدوج لتلك الأدوات المالية والنقدية ودور الحكومة والقطاع الخاص، لذا يجب أخذ كل هذه المحددات فى تشكيل هيكل البنيان الاقتصادى المصرى بعد انتهاء المؤتمر لكى يستمر النجاح.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *