أعاد الهجوم الإرهابي الذي استهدف معبد الكرنك في الأقصر، إلى الأذهان “مذبحة الأقصر” التي نفذها مسلحون في الدير البحري في المدينة الأثرية، في (نوفمبر) 1997، وقتلوا فيها 58 سائحاً من جنسيات مختلفة، مستخدمين أسلحة رشاشة وبيضاء، بعدما وصلوا إلى ساحة الدير، متنكرين كرجال أمن.
وكانت تلك المذبحة أكبر عمل إرهابي استهدف سياحاً خلال عقدي الثمانينات والتسعينات في أوج الصراع المسلح بين نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك والجماعة الإسلامية.
وثار لغط استمر سنوات حول دوافع تنفيذ تلك المذبحة، إذ أتت فيما كان قادة الجماعة في السجون يستعدون لإطلاق مبادرة لوقف العنف، من دون قيد أو شرط، قادها في ذلك الوقت زعيم الجماعة كرم زهدي ومنظرها والرجل الثاني فيها ناجح إبراهيم.
ولاقت تلك المبادرة انتقادات من قادة الجماعة في الخارج وأبرزهم رفاعي طه، الذي قاد العمل المسلح ضد نظام مبارك، بعدما فر من مصر إلى أفغانستان أيام الجهاد الأفغاني، وإلى السودان واليمن ودول عدة، وهو من مؤسسي الجماعة الإسلامية، وتولى رئاسة جناحها العسكري وقاد مجلس شوراها لسنوات، حتى أصدرت الجماعة «المراجعات الفكرية»، التي رفضها واستقال من رئاسة مجلس الشورى. وسلمته الاستخبارات السورية إلى مصر في العام 2001. وأُطلق من السجن في العام 2012، إبان فترة حكم الرئيس المعزول محمد مرسي.
وتبنى طه في بيان المسؤولية عن «مذبحة الدير البحري» التي نُظر لها في ذلك الوقت على أنها محاولة لوأد «مبادرة وقف العنف» من الجناح المعارض لها في الخارج. وبعد تلك المذبحة أعلن قادة الجماعة المبادرة التي تم تفعيلها في وقت لاحق من قبل الجماعة والدولة.
وروى منظر الجماعة والرجل الثاني فيها في ذلك الوقت ناجح إبراهيم لـ «الحياة» حقيقة «مذبحة الأقصر»، التي قال إن رفاعي طه استغلها لتحقيق أهداف خاصة به، وتمكن بالفعل من خداع نظام مبارك، الذي تفاوض معه عبر وسطاء في ألمانيا.
وأضاف: «في الحقيقة كل ما تم تداوله عن تلك المذبحة ليس صحيحاً. قادة الجماعة يعلمون جيداً حقيقة الاعتداء ودوافعه، وللتوثيق أكشف أن تلك المذبحة كان سببها اعتقال قوات الأمن طالب في كلية الطب البيطري من أسيوط يبدو أنه عُذب حتى الموت في محبسه، وحين علم زملاؤه في الجماعة الأمر قرروا الانتقام لمقتله بتنفيذ تلك المذبحة، التي تمت بعيداً عن أي توجيه، ولم يكن لتلك المذبحة أي صلة بالمبادرة لأن حقيقة الأمر أن رفاعي طه الذي تبنى الهجوم في بيان أعلنه من الخارج، فوجئ بالعملية، ولم يكن على تواصل مع أي من منفذيها. تلك هي القصة الحقيقية التي لم يعلن عنها».
وأضاف إبراهيم أن قادة الجماعة الذين أخذوا على عاتقهم إجراء المراجعات، كانوا يريدون تأييد طرفين: الجناح العسكري في مصر، لأن أساس المبادرة السلام وتسليم السلاح، وقيادة الخارج، لكن مجموعة في الخارج على رأسها الشيخ رفاعي طه حشدت ضد المبادرة، واعتبرها طه «استسلاما، وهضماً للذات». وأكد إبراهيم أن المبادرة لم تكن في الحقيقة «خطوة لأخذ مقابل أو ورقة في عملية مقايضة وتفاوض، لكن كانت قرارا لمنع العنف وإصلاح الذات، وبدء العملية السلمية، لأن السلام قوته أكبر من الحرب. المبادرة عبارة عن تصحيح داخلي وليست نوعا من المقايضة، هي لغة من يريد أن يصحح جماعته، وهذا سبب نجاحها». وأشار إلى أن نائب رئيس مباحث أمن الدولة الراحل اللواء أحمد رأفت تشجع للمبادرة، وقال: «مثل ما راجعتهم سنراجع»، في إشارة إلى تغيير السياسات الأمنية تجاه أعضاء الجماعة.
واعتبر إبراهيم، الذي قضى نحو عقدين في السجن، أن «الفترة بين عامي 1994 و1997، شهدت أشد فترات التعذيب في السجون، بعد محاولات اغتيال وزير الداخلية السابق حسن الألفي، ورئيس الوزراء السابق عاطف صدقي والقيادي في الحزب الوطني السابق صفوت الشريف، تراجعت الداخلية عن الخطوات الإصلاحية، وشهدت السجون أسوأ عهودها… وحين تولى وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي المسؤولية، أقولها للتاريخ، تحسنت الأحوال في السجون لدرجة كبيرة جدا. العادلي لم يكن شجاعاً حين تولى المسؤولية لتبني المبادرة، لكن اللواء أحمد رأفت شجع الدولة وأقنع الوزارة بها، وقالوا له: «إن نجحت فستكون للجميع، وإن فشلت فعليك وحدك، فوافق».
وقال إبراهيم إنه في أوج جهود إطلاق المبادرة، حدثت «مذبحة الأقصر» التي كان دافعها «الثأر»، فتلقفها رفاعي طه وتبناها باسم الجماعة لوأد المراجعات الفكرية للجماعة، وكي يُظهر لنظام مبارك أنه المُمسك بتلابيب الجماعة، وأنه رغم الجهود الأمنية ما زال قادراً على التواصل مع قواعد الجماعة في الداخل، وقادراً على تنفيذ عمليات كبرى، ومن ثم فهو «عنوان التفاوض»، وفي الحقيقة هو فوجئ بالعملية.
وأضاف أن حيلة رفاعي طه انطلت على نظام مبارك، الذي تواصل مع تلك القيادات، لمعرفة إن كان يمكن التوصل إلى حل معهم، وطلب رفاعي طه التفاوض في الخارج، واستأذن قنصل مصر في ألمانيا في ذلك الحين، السلطات المصرية للقاء مندوب عن رفاعي طه، لسماع وجهة نظره، وقبلت الدولة، فأوفد رفاعي طه صهره إلى ألمانيا والتقى القنصل المصري، وأبلغه أن قيادات الخارج لا يمكن أن تقبل المبادرة من دون قيد أو شرط، وأن أهم شروطها لقبول تلك الخطوة، أن يعلن النظام تطبيق الشريعة ويقوم بطرد السفير الإسرائيلي من القاهرة، وطبعاً فشلت تلك المفاوضات، لأن مطالب رفاعي طه لم تكن منطقية ولا عملية ولا يستطيع النظام تحقيقها حتى لو أرادها. هم في الحقيقة لم يكونوا يفهمون الفارق بين التفاوض ولي ذراع الدولة.