يعتبر الإعلام الجديد التطور الطبيعى لوسائل الإعلام التقليدية، مثل الإذاعة والتليفزيون والجرائد الورقية ويشمل النوع الجديد من الإعلام ما يعرف بالوسائط الاجتماعية مثل مواقع التواصل والوسائط المتعددة الأخرى مثل الـ ONLINE GAMES والمواقع الإلكترونية التى تروج لأفكار دعائية معينة، وقد اجتذب التوجه الجديد فى وسائل الاتصال الجماهيرى الشرائح السنية حول العشرين عامًا أو ما نطلق عليها أجيال الشباب الصاعدة سواء فى المجتمعات المتحضرة أو فى المجتمعات المتخلفة وما يعنينا هو هذه الأخيرة، لأننا سواء شئنا أم أبينا نحن ننتمى لما يسمى العالم الثالث أو الدول الآخذة فى النمو، وينطبق هذا على مجتمعاتنا العربية، فنحن العرب مازلنا فى مرحلة تمتد مسافتها من التخلف السياسى والاقتصادى والاجتماعى، حتى تصل إلى نقطة التنمية أو كما أسلفنا عملية الأخذ فى النمو، وقد استغل البعض هذه الحالة ليخلق صورا افتراضية فى ذهنية النشء، وهو ما نسميه البطل الخارق أو صاحب الأداء الأسطورى، وساعد على ذلك امتلاك الإعلام الجديد أدوات تسهل من صياغة الشكل الأسطورى. وكانت الولايات المتحدة من أوائل الدول التى استغلت الميديا الجديدة فى الترويج للبطل الأمريكى الذى يتميز بالقوة الخارقة والعقل الجبار والشخصية الإنسانية. والواقع أن هذا الفكر ليس حديثا أو مرتبطا بنشأة الإعلام الجديد، إنما تم الترويج له فى السينما الأمريكية منذ فترة طويلة تزامنت مع الحرب الباردة حتى سقوط المعسكر الشيوعى وانتهاء عصر القطبية الثنائية فى العلاقات الدولية وصولًا إلى مرحلة سيطرة القطب الواحد، وتفشى ظاهرة الإرهاب الدولى وشاهدت فيلمًا سينمائيًا يصور هذه الحالة بعنوان سقوط الصقر الأسود، ويروى الفيلم قصة جانب من التدخل الأمريكى فى الصومال، ويجسد الشخصية الأمريكية الأسطورية بكل أبعادها التى ترسم صورة الجندى النموذج الذى يجمع بين القوة البدنية والتفكير المتطور والاحتواء الإنسانى، وتجلى ذلك فى مشهد تسلل الجندى إلى أحد منازل الصوماليين ووجد سيدة ومعها أطفالها، فمر بهم وبنظرة حانية لهم لوح بيده لطفل صومالى صغير بادله التحية مع ابتسامة لها مغزى إنسانى لا يخفى على أحد، ويبقى السؤال لماذا أنت فى الصومال أيها الجندى القادم من أمريكا؟ إجابة السؤال واضحة فى أهداف السياسة الخارجية الأمريكية.
ورغم لجوء واشنطن لأساليب أخرى للتحايل على الشعوب، إلا أن الفكر نفسه مازال موجودا فى الوسائط الحديثة، فمثلا نجد الألعاب الإلكترونية تنقل قصص مغامرات البطل الأمريكى من السينما، ولكن بشكل أوسع وأكثر إلحاحًا على فكر وعقل الأجيال الجديدة خارج الحدود الأمريكية ومن أشهر هذه الألعاب ميدان المعركة BATTLE FIELD التى توضح ما يختمر فى العقلية الأمريكية من رغبات التوسع والغزو، وهذه المرة لم يكن للصومال أو للعراق، إنما للصين ما يعكس دلالة تسكن فى العقل الباطن الأمريكى، وهو رفض النجاح الاقتصادى الصينى الذى جعل من الصين عملاقًا يهدد نفوذ وهيمنة الدولة العظمى صاحبة اليد الطولى فى العالم فجاء الغزو الأمريكى الإلكترونى للمدن الصينية فى محاولة للتأثير على عقول الشباب من خلال الأون لاين لتصبح الشبكة العنكبوتية أو الإنترنت ميدان المعركة الجديد الذى يصول ويجول فيه الفكر الأمريكى بلا منازع أو منافس وباستخدام نظرية الإلحاح المستمر، ويتم الترويج لهذا الفكر فى محاولة لطبع صورة البطل الأمريكى فى ذهنية الشباب فى العالم لا سيما أبناؤنا فى العالم العربى.
ولاشك أن التحليل النفسى والاجتماعى لهذا النوع من التأثير المتعمد يشير إلى أنه يحمل مخاطر جمة من بينها زرع شكل من أشكال الكراهية للواقع الحقيقى والانغماس فى واقع افتراضى آخر محوره البطل الأسطورى القادم من أمريكا.
وهذا يفسر ضعف الانتماء الوطنى عند كثير من الشباب وتعظيم فكرة ترك الوطن الأم والبحث عن وسائل تمكنه من الهجرة إلى العالم الموعود فى أمريكا وكندا وأستراليا وأوروبا، لعله يلتقى هناك بالبطل الأسطورى الذى تعايش معه إلكترونيًا لفترات طويلة قبل أن تتاح له فرصة الهجرة.
ويبقى السؤال: كيف نواجه هذا التخدير الإلكترونى لعقول شبابنا العربى؟
أتصور أن الحل يكمن فى تعميق الشعور بالانتماء وأن الوطن ليس مكانا للسكن فقط، ولكنه قيمة إنسانية تجسد الشعور بالمواطنة وبصراحة لا يأتى حب الوطن بالتلقين أو الإجبار الفكرى، ولكنه يغرس فى النفوس من الصغر بإبراز حاجة الإنسان للوطن بتقليل العوامل التى تقود الشعور بالاغتراب داخل الوطن، ومن هذه العوامل الإحباط المستمر والمشكلات الناجمة عن البطالة نتيجة ندرة المعروض من فرص العمل، ما يؤدى إلى الفاقة أو الحاجة الاقتصادية، ما يستتبع ذلك من عملية هروب إلى أحضان ما يلهى مثله فى ذلك مثل الذى يتعاطى المخدرات أو يعاقر الخمر وهنا يحاول أن يعوض حالة الإحباط بهذا النوع من التخدير الإلكترونى الذى يجسد أسطورة البطل وتحديدًا البطل الأمريكى