في اول تطبيق من تطبيقات قانون الخدمة المدنية الجديد، وبعد صدور القانون اول العام، جاءت المسابقة الالكترونية لثلاثون الف معلم للتعيين في وظائف التدريس بوزارة التربية والتعليم..
المسابقة تجرى مراحلها منذ بداية العام 2015، حتى وصلنا في اوائل شهر اغسطس الجاري الى النتائج النهائية الناجمة عن كل التصفيات والمراحل، واسماء المعلمين الناجحين الذين سوف يصدر لهم قرارات تعيين ليتسلموا العمل مع بداية العام الدراسي الجديد..
ولكن هيهات هيهات ان تمر اي امور في بلدنا بسلام هذه الآونة !!! فمن معترض، الى شاك ، الى باك ومتظلم .. وتتوه الحقيقة ولا يستطيع المجتمع ان يقف على الخطأ من اي اتي او الصواب لماذا ذهب..
ومن قراءاتي المتفرقة لبعض المقالات، ومشاهدتي للحوارات التليفزيونية بين المسؤولين في التربية والتعليم وبين المعلمين المتضررين، نستطيع ان نخلص لبعض من النقاط الهامة، ومنها:
1. ان نسبة لا يستهان بها من المعلمين خريجو كليات التربية او الكليات المتخصصة الاخرى لا يتعاملون مع الحاسب الآلي باي شكل من الاشكال، وخاصة في القرى والمراكز والمدن الصغيرة. وهذا ما ألجاهم الى مقاهي الانترنت او ” السيبر” كما جاء على لسانهم لملأ الاستمارات..
2. هذا يدحض بصورة قاطعة الارقام التقديرية عن عدد المصريين الذين يستخدمون الفيس بوك والانترنت وخلافه… ويبرر الشكوى الدائمة من تردي مستوى المعلمين وعدم مواكبتهم لمقتضيات العصر.. كما يجعل من الصعوبة بمكان اجراء كل التحسينات والتعديلات التي يطمح اليها الشعب على نظام التعليم في فترة قريبة.. حيث الحاجة ماسة الى كثير من التأهيل والتدريب واعادة التوجيه وتغيير الثقافة.
3. برهنت المسابقة الالكترونية على حجم التسرع وعدم الدقة وعدم الفهم من كلا الجانبين؛ المعلمون المتقدمون للمسابقة، والقائمون عليها…
• المعلمون لم يفهموا معنى ” مسابقة مركزية” اجمالا او تفصيلا.. ولم يسأل كثير منهم او يستوضح قبل ان يقدم.. من نتائج عدم الفهم هذا، مشكلة ” التسكين” والتخصص المطلوب في محافظة بعينها دون غيرها ، و التي اصبحت اهم مشكلات يحتج عليها الناجحون الآن.
• المعلمون لم يتحروا الدقة في اختياراتهم للتخصصات المذكورة في الاستمارة الالكترونية.. فكما فهمت من بعض النقاشات هناك اكثر من تخصص يتعلق بالحاسب الآلي احدها ” مطور شبكات” والآخر معلم حاسب آلي او ما شابه.. وهناك ” اخصائي اجتماعي” واخصائي نفسي… وبالتأكيد هناك تلامس وتشابه في تخصصات اخرى.
• اما القائمون على المسابقة وعلى وضع الاسئلة- التي يمكن ان تكون ممتازة من الناحيتين المهنية والمهارية، فانهم تناسوا ان ربما تكون هذه هى المرة الاولي لبعض المتقدمين ان يجتازوا مثل هذه التجربة او يتعاملوا مع اسئلة او اختيارات دقيقة كمثل ما كان في الاستمارة.. فتوقعوا منهم قدرا اكبر من الفهم والثقافة والدقة في التعامل..
• كما انهم لم يقوموا بالواجب الضروري في الشرح والتبيان المكثف الممنهج لمراحل المسابقة، وتوضيح وارشاد المتقدمين للطريق الامثل لاختيار التخصصات، والاجابة على الاسئلة. وهو ما نجم عنه العديد من المشكلات والتظلمات.
• ان عدد من استبعدوا وعدد من لديهم مشاكل من الناجحين الذين صدر لهم قرار التعيين نسبة لا نعرفها بالتحديد حتى الآن، وهو حقا ما يريد المجتمع ان يعرفه وما يجب ان يقدمه المسؤولون عن المسابقة ويعرفه المعلمون ويضطلعون على اسبابه بدقة ونزاهة.
4. في العلوم التطبيقية، مثل الهندسة والكيمياء والرياضيات واستخداماتها في الصناعة مثلا، تخضع اي اجراءات او انظمة، او معدات وادوات الى ما يسمى ” المعايرة”، لقياس صلاحيتها للاستخدام وتحقيقها للنتائج التي صنعت من اجلها، ومن ثم تصحيح ما قد يعيب.. في علوم الادارة والموارد البشرية وعلم النفس وكثير من ” الانسانيات” تخضع التجارب الجديدة والقياسات واستقصاءات علم النفس لما يسمى ” اختبار الصلاحية” .. وهو شيء لا يعيب الاداة او النظام ابدا، بل دليل على اكتماله ومرونته لتحقيق المستهدف منه. ان التجربة الاولى للتعيين بالمسابقات الالكترونية، التي طبقت على المعلمين لهي تجربة جيدة جدا بكل المقاييس..
• انها التجربة الاولى لهذا النظام الجديد،
• نستطيع ان نقيس من خلالها نسبة النجاح في فهمها وتطبيقها في كل المراحل، ويجب ان يفعل الجهاز المركزي للتنظيم والادارة مع وزارة التربية والتعليم ذلك،
• نستطيع من خلالها تطبيق ” اختبار الصلاحية” ، لنقف على عيوب وسلبيات النظام بكل تفصيلاته: الاستمارة، الاسئلة، تلامس وتشابه التخصصات، مراحل المسابقة، وايضا قابلية التطبيق على الفئات المختلفة من الموظفين.
• ومن ثم تقوم الجهات المختصة بالتعديل والاضافة والحذف…
5. على وزارة التخطيط والمتابعة والاصلاح الاداري، ومعها الجهاز المركزي للتنظيم والادارة ومعهما الوزارات او الجهات الحكومية المعنية بالمسابقات القادمة، ان يبذلوا جهدا اكبر في التقديم لهذا النظام وعقد الندوات وورش العمل الشارحة والمدربة على تطبيقها بطرق متنوعة تصل الى اكبر عدد من المستفيدين او المستهدفين بهذه التعيينات..
– ان عبء شرح وايضاح كل بنود قانون الخدمة المدنية الجديد، وليس نظام التعيينات فقط، يقع على كاهل وزارة التخطيط والمتابعة والاصلاح الاداري كلها وليس على كاهل الوزير النشيط المهموم بقانونه ، وقليل جدا ممن شاركوا في وضع القانون.. يقول الوزير انهم فريق عمل كبير؛ لماذا لا ينتشر فريق العمل هذا ومعه آخرين من خبراء الادارة ، ينتشرون في كل اجهزة الدولة في محافظات مصر قراها ومراكزها ومدنها، ليشرحوا ويوضحوا للعاملين حقائق القانون ، ويقومون بالتدريب على كل ما هو جديد فيه…
وللاعلام دور كبير في هذا الشأن، على الاعلاميين ( الاعلام الخاص بالذات) ان يدرسوا ملابسات نظام المسابقة جيدا وان يقوموا بالاضطلاع بانفسهم على كل ما اتت به المسابقة من اسئلة ومراحل، وليس فقط الاستماع والتصديق على شكوى المتضررين بغير فهم.. انهم يجب ان يكونوا عونا للتغيير الجديد وان يساهموا بصدق في الثورة الادارية والثقافية التي تنشدها الامة، لا كما يبدو من البعض انهم معاول هدم وتشكيك في اي جهد صادق..
بدون القيام بهذا الجهد، سوف تتعالى الاعتراضات والاحتجاجات- عن حق او عن غرض ، وسوف يكون صعبا ومكلفا تطبيق القانون في الفترة القادمة، كما سيكون صعبا ان تتغير الامة المصرية بالسرعة التي نتمناها..