عند اطلاعى على اسماء السادة المرشحين لمقاعد مجلس النواب الجديد على المستوى الفردى والقوائم فى اغلب محافظات مصر , لاحظت بعض التشابة بين الماضى و الحاضر , فقلقت على المستقبل.وتذكرت نظريات الحكم التى درسناها فى كتب السياسة و التى تؤكد ان الحكام نوعان , فأما النوع الأول فقد تعدت آماله قدرات أمته، وأما النوع الثانى فقد تعدت قدراته آمال أمته، ( الاول مثل هتلر والثانى الزعيم الراحل جمال عبد الناصر ) وهكذا لم تتطابق الآمال والقدرات مرتين! . فالأول فقد استغنى بالمؤسسات عن دولة الجماهير وأما الثانى فقد استغنى بالجماهير ( مجتمع الملاين ) عن دولة المؤسسات ، وبقى علينا اليوم أن نقيم دولة المؤسسات بالجماهير من خلال الانتخابات النيابية.
ولكن ونحن نسترجع التارخ الحديث نجد ان هناك نوع ثالث ظهر لنا فعايشناه طوال ثلاثين عاماً , من القهر الاجتماعى الاسود ,فقد تعدت آمال أمته قدراته , واستغنى عن الجماهير والمؤسسات معاً، فكان أتعس الحاكمين، ولكن منطق النفاق صور لة أنه زعيم من نوع جديد، وليس أخطر ما يؤدى إليه النفاق أنه يعصف بالضمائر والأخلاق، بل إنه يعصف أيضاً بالعقل والمنطق، وقد ألزم النفاق المنافقين امتهان العقل والبعد عن المنطق الرشيد، وذلك ما حدث فى مصر طوال أكثر من 30 عاماً وخلع على الحاكم ما ليس فيه، وأسقط عن الشعب ما هو منه، فخلعة الشعب فى يناير 2011 .كانوا اتباعة بلا عدد عندما كان يحكم، وسجدوا له فيمن سجد، ثم اختلفوا فيه، فمنهم من تملقه فى الحكم وأنكره بعد الرحيل، وهؤلاء أهل النفاق، ومنهم من أحبه فى الحكم ولاذ به بعد الرحيل، وذلك هم أهل الشفقة،
ثم يأتى لنا نوع رابع عايشناة ايضا لعام واحد , من الصراع الاجتماعى الاحمر , وقد تعدت آمال أمته قدراته هو الاخر , واستغنى عن الجماهير والمؤسسات معاً واكتفى بعصبتة ونسى الوطن, ضعيف يظن فى نفسه القوة، فلا هو واع فيستعين ولا هو قادر فيستعان، اعتمد على اهلة وعشيرتة, عاش لهم فعزلوة عن الامة , فعزلتة الامة فى 30 يونيو 2013, وذهب ايضا فى من ذهب. انصار هذا و تلك لهم فى كل زمان رأس، يبدلون أقوالهم وأفعالهم مع كل رأس، يفعلون اليوم وينكرون غداً، ينكرون اليوم ويفعلون غداً، ملعونة أفعالهم، ملعونة أقوالهم، أمس واليوم وغداً. وتلك كانت سنتهم ولم يبدلوها !
ويأتى فى مصر اليوم على الساحة , مع المنافسة الانتخابية , حوار محترم حول الماضى، وهو حوار لا بأس به ولا ضرر منه، إلا أنه لا يخلص من الطعن عليه، ذلك أنه أشبه «بسوق عكاظ»، حيث ترتفع الأصوات وتختلط، وتشتد حدة الهجوم والتناحر و الحرب التى يستباح فيها كل شىء ، حيث تسيطر العصبية فتكاد تختفى الموضوعية، حيث غاية القصد أن يعبر كل عن بعض نفسه، وأن يتنفث بعض غضبه وأن يستبقى شيئاً خاصة لنفسه فى مجلس النواب القادم , من الذين كانوا معهم.
يلبسون لكل حال لبوساً ثم هم يعودون لسيرتهم الأولى حين دقت طبول العمل العام و مجلس النواب، وينتمون لكل مذهب، هكذا أضافوا إلى «نظرية تغير الظروف» «نظرية تغير الرؤوس»، ولكن ما لا يعلمون أننا نعرفهم جيدا انتم كنتم معهم قبل يناير 2011 و قبل يونيو 2013.
فتجد كثيرين من الذين يتسابقون على مقاعد المجلس الجديد , وانصارهم يكملون العمل بالظهور على الساحة الإعلامية المرئية منها والمسموعة والمكتوبة يقيمون محاكمات جارية للإنسان والمرحلة، وهى محاكمات لها محاذيرها، منها صحف منشورة وصحف غير منشورة، فيها بعض ممن يتصدى للحكم لا يصلح له، لأنه يرتدى وشاح ممثل الاتهام اليوم، وكان بالأمس يرتدى لباس محامى الدفاع، وهو أمر طبيعى استمراراً لمنطق النفاق، وذلك لقرب المرحلة الجديدة ( فالانتخابات قادمة و المناصب العامة مفتوحة بعد ذلك ) فهم على سنتهم ولن يبدلوها أبداً!
هؤلاء الحكام السابقين ذهبوا في من ذهب وتستمر محاكمتهم فى ساحة القضاء و الملعب السياسى ,وسوف ينالوا قسطاً من العقاب على يد قضاء مصر الشريف , وهذا هو العدل بعينه،. ولكن اليوم على الاخص يشارك فيها كثيرون، كثيرون ممن كانوا معهم حين حينما أخطأوا وافسدوا البلاد ، حتى الذين خانوا الوطن منهم جلسوا فى محاكمتهم ، فشهودههم كانوا معهم، بعض قضاتهم كانوا معم، وكثير من جلادوههم كانوا معهم، كلهم كانوا شركاء لهم , ومع ذلك أنكروهم وشهدوا عليهم وحاكموهم ثم جلدوهم وصلبوهم، ولكن لا تنسوا أنهم كانوا معهم ، كلهم شهود ملك – قضاة ملك – جلاد ملك. تلك شهادة باطلة , ولكنها تتكرر فى مصر كل يوم. هم يأكلون لحم أخيهم حياً، ثم يأكلون لحم أخيهم ميتاً، يتنازعون أمرهم بينهم ولا يتنازعون حقهم من أعدائهم، فضاع أمرهم وضاع حقهم فى الأرض وفى السماء.
دعواتنا لهؤلاء و لاولئك ان تعيشوا فى الحاضر بوعى , و الحاضر الواعى هو الذى يدرك انة حلقة فى سلسلة الزمن , سبقتها حلقات , وتتلوها حلقات , هو الذى يدخل فى حسابة عظة الامس , وظروف اليوم , وامال المستقبل. هو الذى لا ينسى ما مضى من ظلم اجتماعى , وصراع دموى, وفساد واستبداد, وخيانة للوطن , هو الذى لا يغمض عين عما هو قائم من معركة شرسة مع العدو فى الداخل و الخارج , هو الذى يعقد بامالة على نظام سياسى مستقر وممارسة ديمقراطية أعمق , تضمن انتقال السلطة , عن طريق الاغلبية , من يد الى يد بصورة سلمية. وهو الذى لايحجب على الاجيال القادمة رايا , ولا يغلق دونها بابا. واخيرا هو الذى يأذن للمستقبل ان يولد على يديه ولادة طبيعية من خلال مؤسسات الدولة المنتخبة, فلنعش اذا جميعا فى الحاضر , بعظة الماضى , وبامال المستقبل , مصر تنكر القهر الاجتماعى الاسود , و الصراع الاجتماعى الاحمر, فلتكن مصر الجديدة ارض السلام الاجتماعى , وتنشره قوى التحلف فوق ارض مصر الخضراء , لا بالمداد الاسود , ولا بالمداد الاحمر.
اما الذين ينكروا علينا حاضرنا الواعى , نقول لهم نحن نعرفكم جيداً – أنتم كنتم معهم ولن ندخلكم الحياة السياسية او مجلس النواب مرة اخرى – أسقطوا أقنعة النفاق و اعتزلوا ففى العزلة راحة لكم ولنا، وبدلوا من سنتكم عسى ان يصلح الله من أمركم .