أخبار عاجلة

هدى جمال عبد الناصر تكتب.. “لن يجيئوا..!!”

 إن التاريخ لا يكرر نفسه، ولكن السوابق كاشفة تنير الطريق وتوسع الإدراك، وخاصة إذا كانت مرتبطة بمصالح أجنبية ثابتة ومخططات لا تنتهى.
 أقول هذا الكلام بمناسبة الكلام الذى نسمعه منذ قيام ثورة 25 يناير عن الاستثمار الأجنبى والخوف من هروبه، كلما أتخذ إجراء قانونى فى مصلحة مصر؛ سواء ضد الإرهاب أو الفساد أو الإهمال أو الجهل!
 ونفس المنطق أيضا أناقش به إحجام رأس المال المصرى الخاص الكبير المستغل عن الاشتراك فى تنمية الوطن فى الظروف الحالية، كما بدا من مشروع “تحيا مصر”؛ وكأنهم فى الانتظار حتى تعود الظروف الى سالف عهدها قبل الثورة، وتفتح أمامهم بالفساد أبواب المليارات!
 ولنرجع الى ثورة 23 يوليو 1952، ماذا حدث؟
 بعد فترة قصيرة تمت فيها حركة تطهير من الفساد فى الحكومة، وطبق فيها قانون تحديد الملكية الذى هدف الى القضاء على الاقطاع، وإعادة الأرض المسلوبة الى الفلاحين الذين حرموا لقرون طويلة، فتح قادة الثورة الباب للاستثمار الأجنبى والوطنى لتنمية الاقتصاد المصرى المتهالك فى ذلك الوقت؛ لرفع مستوى معيشة الشعب.
 هل هذا تحقق؟
 بالنسبة للاستثمار الوطنى تحالف أغلبية الرأسماليين مع الاقطاعيين وناصبوا الثورة العداء، وبالتالى لم يساهموا فى نهضة الاقتصاد القومى، ولم يتخذوا من طلعت حرب مثلا يحتذى؛ فى حب مصر والرغبة فى رفعة شعبها.
 وهنا كان التعارض بين مصالح هذه الطبقات المستغلة والمصلحة القومية. لقد كان هدف هؤلاء أن تفشل الثورة وتعود الأمور الى عادتها؛ فى ظل نظام ملكى مهترئ، واحتلال يستند دائما على الأثرياء وأصحاب المصالح، والأحزاب المتصارعة التى تبدى المصلحة الحزبية على الأهداف الوطنية!
 وقد ثبت هذا فى 30 أكتوبر 1956، عندما أرسل الانجليز والفرنسيين إنذارهم المتغطرس الى عبد الناصر يطلبون استسلام مصر!
 ماذا كانت النتيجة؟
 رفض عبد الناصر إنذار الدول الكبرى، ودعا الشعب الى النضال ومقاومة المعتدين.
 وفى نفس الوقت اجتمع السياسيون القدامى وبدأوا فى الاستعداد لاستلام السلطة! وقرروا أن يرسلوا وفدا منهم لمقابلة عبد الناصر ليطلبوا منه الامتثال لرغبات المعتدى!
 ثار عبد الناصر وقال: “إن من يتقدم الى حديقة مجلس الوزراء من هؤلاء، سوف أضربه بالرصاص”! لقد اعتبرها خيانة وممالأه للمحتل البغيض الذى جثم على صدور المصريين أكثر من 75 عاما.
 ما الذى دفع الرأسمالية المصرية المستغلة والاقطاع الى اتخاذ هذا الموقف المناوئ للأمانى القومية؟
 إنها المصالح! فقد كانت أهداف ثورة 23 يوليو.. القضاء على الاقطاع والقضاء على الاحتكار وسيطرة رأس المال على الحكم وتحقيق العدالة الاجتماعية، وكلها تتعارض مع مصالح هؤلاء!
 أما بالنسبة للاستثمار الأجنبى فقصته تكاد تتكرر فى أيامنا هذه، فماذا حدث؟
 فتحت ثورة 23 يوليو الباب للاستثمار الأجنبى وشجعته، ووفرت جميع التسهيلات والضمانات للمستثمرين الأجانب، وأصدرت قانونا فى 1953 بشأن الفائدة التى يمكن الحصول عليها خارج البلاد، وشروط اشتراك رأس المال الأجنبى فى المشروعات المصرية.. إلخ.
 ولكن المستثمرين الأجانب لم يحضروا! كل ذلك لأسباب سياسية.
 ولنتساءل.. من هم المستثمرين الأجانب؟ والى أى البلاد كانوا ينتمون؟
 إنهم كانوا أساسا من الغرب الذى كان يعادى النظام المصرى الجديد..
– لأنه كان ضد الاستعمار منذ أول يوم، وألح فى طلب جلاء القوات البريطانية عن مصر وتسليم قاعدة قناة السويس الى أبنائها.
– لأن نظام الثورة حجّم نفوذ الطبقة القديمة من السياسيين والأثرياء الذين كان من السهل على الاستعمار أن يتعاون معهم؛ على أساس تبادل المصالح!
– لأنه أعلن سياسة الاستقلال الذاتى السياسى والاقتصادى ورفض الأحلاف العسكرية؛ مبديا المصالح الوطنية، ومقوضا بذلك النظام الغربى للدفاع فى مواجهة الاتحاد السوفيتى.
– لأنه دعا الى سياسة الحياد وعدم الانحياز فى باندونج فى إبريل 1955، وشجع البلاد الإفريقية – الآسيوية المقهورة على الانضمام اليها.
 كان ذلك كله جديدا فى ذلك الوقت، ومضادا للمصالح الغربية التى قامت حضارتها فى الماضى على الاستعمار واستغلال شعوب العالم الثالث.
 وإذا كان هناك اعتقاد أن رأس المال الغربى حر، فذلك وهم كبير خبرته من دراستى لوثائق الدول الغربية، فقد ثبت أنها تلعب دورا كبيرا فى توجيه الاستثمارات الخارجية لشركاتها، كما أنها تتحكم فى المعونات الاقتصادية وتسخرها لأغراض سياسية.
 والآن ماذا تم فى مجال الاستثمار الخارجى يعد ثورة 23 يوليو؟
 انتظر قادة الثورة من 1953 وحتى 1957، ولم يأت رأس المال الأجنبى!
 وأدرك عبد الناصر أن معاداة الغرب لاستقلال مصر ليست فقط سياسية ولكن أيضا اقتصادية. وقد تأكد ذلك من الإجراءات التى اتخذت بتجميد الأموال المصرية فى بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة بعد تأميم قناة السويس.
 وقد شرح عبد الناصر موقفه من استثمار رأس المال الخاص الأجنبى، فى حديث مع وفد الصحفيين الألمان الذى رافق إيرهارد وزير الاقتصاد الألمانى، فقال: “إننا فى الحقيقة نعطى الأولوية لرأس المال الوطنى، ونفضل فى تعاملنا مع رأس المال الأجنبى أن نحصل على قروض، وبعد ذلك نستطيع أن نحصل على رأس المال الخاص… 
وكانت مصر قبل تأميم قناة السويس تحول لرأس المال الأجنبى فوائد تقدر بعشرين مليونا من الجنيهات، وكل هذا المبلغ يحول إلى الخارج فى شكل عملات أجنبية، وبعد تمصير بعض المؤسسات البريطانية والفرنسية بعد حرب السويس؛ تضاءل ما نحوله من أرباح رأس المال الأجنبى الى الخارج الى مليونين من الجنيهات فقط؛ وبذلك وفرنا داخل البلاد ١٨ مليونا من الجنيهات كانت تخرج بالعملات الأجنبية كل عام… تلك فوائد الممتلكات التى لم نمصرها.
واستطرد عبد الناصر.. “وإذا فتحنا هذا الباب الآن للاستثمارات الأجنبية فماذا ستكون النتيجة؟
ستكون النتيجة أننا سنعطيهم كل عام مبالغ كبيرة من المال على شكل أرباح، كما أنه يجب علينا أن نقدم هذه المبالغ بالنقد الأجنبى، وإذا حصلنا على قروض فإننا سندفع هذه القروض، ولن نستمر فى الدفع الى الأبد، أما إذا كان هناك استثمار أجنبى كبير فإننا سندفع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *