على مر تاريخها الطويل تعرضت مصر لمحن كثيرة، غير أنها كانت تخرج منها أقوى مما كانت، وأتصور أن المحنة الكبرى كانت الحكم الأسود بين ٣٠ يونيو ٢٠١٢ و٣٠ يونيو ٢٠١٣، حتى تحررت منه بفضل الله وإرادة شعبها الذى لا يعرف المستحيل، وهذه المرة ليست الأولى التى تنتهز أطراف معادية للمصريين، سواء كانت دولا أو قوى سياسية إقليمية ودولية، أى فرصة لإظهار أولًا شماتتها ثم نسج خيوط لضربات تتصور أنها سوف تنال من عضد مصر.
وهذا ما حدث بعد حادث الطائرة الروسية، إذ يرون أن زعزعة الاقتصاد المصرى أقصر الطرق لضرب الدولة المصرية فى مقتل، أليس هذا هدفهم من تولية القوى الظلامية حكم مصر؟ حاولوا تدمير الاقتصاد وهز هيبة القضاء وفتحوا أرضها للغرباء وتخلوا عن عروبتهم من أجل فكر يهدم كل الثوابت الوطنية والقومية، ويفتح الطريق للدخول إلى نفق مظلم أنقذتها منه العناية الآلهية عندما قرر الشعب التغيير.
ولهذا رغم كل ما تعانيه مصر من مشكلات هى ليست بالجديدة إنما هى بفعل تراكم سنوات التجريف لنظام مبارك أرى أنها فى وضع أفضل، حيث تتعامل اليوم بواقعية مع هذ المشكلات حتى ولو جاءت بعض الحلول مؤلمة، وقد أحسن المصريون فى الخارج صنعًا عندما قرروا أن يقفوا إلى جانب الوطن الأم بكل ما فى طاقتهم لكى لا تطفئ أنواره، فكانت دعوات تنشيط السياحة والترويج لمنتجعات بلادهم فى ظل طقس مقبل أعتقد أنه الأفضل فى العالم بالمقارنة بشتاء أوروبا وأمريكا القارص وغيرها من المناطق فى مختلف أنحاء العالم، وما زلت أعتقد أن المصريين فى الخارج يمكن أن يفعلوا المزيد لمصر بزيادة تحويلاتهم إلى الوطن، فقد كانت فى فترة من الفترات ثانى مصدر للدخل القومى بعد قناة السويس، ليس هذا فقط بل يستحق وطنهم أن يتبرعوا له بشكل عاجل على دفعتين أو ثلاث، بدفع كل مصرى يقيم فى الخارج مبلغ ١٠٠٠ دولار، فإذا كان عدد المصريين بالخارج حوالى ٨ ملايين فإننا نتحدث عن مبلغ قد يتجاوز الـ٨ مليارات دولار يكون تحت تصرف الدولة للنهوض بالمشروعات القومية التى ترفع مستوى معيشة المواطن البسيط الذى يدفع ثمن المشكلات المترتبة على تدنى القيمة الشرائية للجنيه وما يعنيه من انخفاض فى دخله الحقيقى.
وبلا شك أن ضخ الدولار بفعل تحويلات المصريين بالخارج سيؤدى إلى ارتفاع قيمة الجنيه، وعلى المسئولين الجدد فى البنك المركزى التفكير جديا فى تحرير العملة المصرية من سيطرة الدولار الأمريكى الذى تنخفض قيمته أو على الأقل تظل ثابتة فى كل أنحاء العالم إلا مصر، وعلى سبيل المثال قيمة الدولار أمام الريال السعودى والدرهم الإماراتى لم تتغير منذ أكثر من عشرين عامًا رغم التغيرات التى تلحق من آن لآخر بسوق النفط، ونلاحظ أن إمارة دبى لم تعد تعتمد على البترول كمصدر أساسى للدخل، ومنذ فترة طويلة حرص الشيخ محمد بن راشد على تنويع مصادر الدخل ومنها السياحة والتجارة وإنشاء صناعات تجميعية فى دبى الأمر الذى حقق التوازن فى ميزانها التجارى، بل مال إلى تحقيق فائض فى معظم السنوات الماضية نتيجة زيادة الصادرات عن الواردات وانتقل تصنيفها من بلد مستورد إلى مصدر حتى لمنتجات تم استيراد مكوناتها وأعيد تصنيعها وجرى تصديرها وتميزت عن دولة المنشأ بانخفاض سعرها مثل الإلكترونيات والأجهزة الكهربية.
إن مصر غنية بموارد متعددة لو أحسن استغلالها، أهمها الموارد البشرية والسياحة الأثرية والدينية والشاطئية وسياحة المعارض والمؤتمرات، فضلا عن قناة السويس وتحويلات المصريين فى الخارج، ولمصر سواحل ممتدة مئات الكيلومترات على البحرين الأبيض والأحمر يمكن أن تجعل منها واحدة من أغنى دول العالم فى إنتاج الأسماك، مع الأخذ فى الاعتبار اكتشاف حقل الغاز الضخم الذى تم مؤخرًا فى البحر المتوسط وتطوير إقليم قناة السويس وسيناء بكل ما يحمله من مشروعات تنموية وعمرانية.
فى المقابل لا بد من أن يستعيد المواطن المصرى قدرته على الإنجاز فى كل مواقع العمل والإنتاج ويتوقف عن حالة (التنبلة) التى تصاحبه كلما استقر الوضع به حتى يستطيع مواجهة التحديات فى الداخل والخارج!!