تتحرك الدولة فى محاولة للرقابة على الأسعار أو ضبطها فى الأسواق من خلال وزارة التموين، أو قد تلجأ كما حدث قريبًا إلى فتح منافذ توزيع سلع استهلاكية فى المحافظات تابعة للقوات المسلحة فى إجراء استثنائى جاد لإعادة توازن التجارة الداخلية وحماية المستهلك البسيط من جشع السوق واستغلال بعض التجار. وإنى أرى فى هذا المجال ضرورة تدخل الدولة من خلال الحكومة مرة أخرى من خلال ما يعرف بـ”منافذ التوزيع التعاونية”، وذلك لأن هذا هو دور الحكومات فى كل دول العالم، حتى الرأسمالى منها، ولكى تمتد هذه التعاونيات إلى قطاعات عدة ولا تقتصر على مجال واحد. يجب أن نوضح هنا أن انتشار التعاونيات ليس الغرض منه القضاء على التجارة الخاصة (أى القطاع الخاص)، ذلك أمر أبعد ما يكون عن منهج “الاقتصاد المختلط” الذى تبناه الرئيس السيسى منذ توليه إدارة البلاد، وإنما الغرض منه فى ظل الظروف الدقيقة التى تمر بها مصر الآن من انخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار، واستمرار زيادة معدل الاستيراد وقلة الموارد من النقد الأجنبى، وما تولد عنه من ارتفاع مبرر- وفى أحيان أخرى غير مبرر- للمستوى العام للأسعار، وعصف بحال الغالبية العظمى من شعب مصر، تطلب الأمر القضاء على المستغلين من بعض المستوردين والتجار الجشعين، أضف إلى ذلك رغبة الدولة الأكيدة فى إيجاد منافسة قوية لصغار التجار وأصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، والذى يقوم نظامنا الحالى على دعمهم والإبقاء عليهم ليقودوا عجلة التنمية ويقفوا محل الدولة والحكومة فى مواجهة استغلال ومبالغة بعض كبار التجار والمستوردين فى الربح ورفع الأسعار على المواطن البسيط. ويأتى ذلك من خلال شراء الدولة لمنتجات صغار المنتجين هؤلاء وإعادة ترويجها وتوزيعها من خلال تعاونيات الدولة والتى مولتها مؤسسات كالصندوق الاجتماعى للتنمية والأسر المنتجة والقرية الصغيرة المنتجة ذاتيا من خلال وزارة التضامن الاجتماعى وغيرها من الوزارات ذات الصلة. وهنا تكون الدولة قد حققت أربعة أهداف، الأول: قدمت سلعًا اجتماعية والتى يتكالب عليها الغالبية العظمى من الشعب وتقدمها الدولة بأسعار فى متناول الجميع. والثانى: تصريف منتجات تلك المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغير، وتسترد الدولة القروض التى منحتها مضاف إليها الربح لتعيد تدويرها مرة أخرى ويتضاعف الإنتاج وتعم التنمية. والثالث: تكون الدولة قد خلقت فرص عمل وساهمت فى علاج جزء كبير من مشكلة البطالة فى مصر. والرابع والأخير تقف الدولة موقف المدافع عن حقوق الضعفاء بمحاربة ارتفاع الأسعار الذى نتج عن أسباب خارجية وداخلية كثيرة كان نتيجة احتكار القلة من بعض التجار والمستوردين للسوق واستغلالهم لحاجة المواطنين المتزايدة مع ارتفاع معدل المواليد كل يوم وذلك فى غياب دور أجهزة حماية المستهلك والفقراء. وعلى ما تقدم نجد أن الحل دائمًا يمكن أن يأتى من داخل المجتمع المدنى ولصالح الشعب، أما الدولة والحكومة والجيش فواجبهم الأهم هو الإشراف والمراقبة وتصحيح المسار لنصل إلى التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية المنشودة، فإن لنا جميعًا فى مصر ناقة وجمل، وللفقراء حق فى هذا الوطن وعلى الدولة أن تحفظ لهم حقوقهم.